تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولاهم، زوال لهم، فتقع العقوبة الكونية النافذة على حد العدل الإلهي، فتزول رياساتهم، وتلك أمضى عقوبة في حق المتشبث بأسباب الدنيا اللاهث في تحصل أجناس نعيمها الزائل فهو فرع عنها كما أن نعيم الآخرة الباقي فرع عنها.

وكل من أراد أن يجمع القلوب على غير عقد ديني، ولو باطل، فإنه لا محالة فاشل، فغايته أن يستألف أبدانا ترضى إذا أعطيت، وتسخط إذا منعت، على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ ............... ) الحديث.

فإذا كان أهل الباطل في زماننا قد استنفروا قواتهم استنفار الحمر، فالأموال والأبدان قد جيشت، والشبهات والشهوات قد هيأت، فمن لم يخضع لباطلهم بالترغيب فسيف الترهيب على عنقه مسلط، ومن لم تغره الشهوة زلزلته الشبهة، إلا من عصم الله، عز وجل، ولا عصمة إلا بالاستمساك بميراث الأنبياء من دين التوحيد الصريح، ومسطور الوحي الصحيح، فلن يبلغ أولئك منا مآربهم إلا إذا مكناهم من قلوبنا بمتابعة الشبهات العلمية والشهوات العملية، والأمر يسير على من يسره الله، عز وجل، عليه، وإن كان له ضغطة موجعة في القلب في مبدئه، تمحيصا للقلوب قبل أن تأتلف، ليقع الائتلاف على دبن خالص لا شائبة فيه من حظ نفس، فإذا صبر الموحدون على ضيق المبدأ، نالهم من سعة المنتهى ما تقر به الأعين وتنشرح الصدور وتطمئن القلوب فتلك عاجل البشرى في الدار الأولى، فهي قبس من: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)، فعاين أولئك جنس نعيم دار الجزاء في دار الابتلاء على حد البشرى التي تثبت بها القلوب والأبدان في ميادين التدافع بين حزب الرحمن وحزب الشيطان.

وليستحضر أولئك، وإن قل عددهم، فالمؤتلفون على الوحي قليل إذ عامة المؤاخاة على أمر الدنيا مباحا كان أو محرما، ليستحضر أولئك المرابطون على ثغور الدين، مقام: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، وليستحضر أولئك الصابرون على قيد التكليف مقام: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير