تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلم يبال صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأحد بل امتثل قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)، وقال لعمه لما أرهقته قريش بإلحاحها: "يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته"، فلو لم يقم لنصرته أحد ما تخاذل أو قصر، حاشاه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليس كما يزعم البعض: مفتقرا إلى نصرة أصحابه، رضي الله عنه، فهو لنجدتهم طالب وإلا عجز عن حمل أعباء الرسالة بمفرده!، فإن ذلك القول من الفساد بمكان، بل لازمه الطعن في مقام النبوة، فلا يعتذر لقائله إلا بتأويل أو جهل، فالأنبياء عليهم السلام قد بلغوا رسالات ربهم على حد التمام، بلا زيد أو نقصان، على حد قوله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبً)، فيخشونه وحده، ولا يخشون أحدا سواه على حد طباق السلب فذلك آكد في تقرير هذا المعنى الجليل. فلا يخشون سطوة عدو ولا خذلان صديق، فلو خذلهم أهل الأرض جميعا لقاموا بأداء الرسالة على أكمل وجه.

يقول ابن أبي العز، رحمه الله، في معرض بيان ركن الإيمان بالرسل عليهم السلام:

"وعلينا الإيمان بأنهم بلغوا جميع ما أرسلوا به، على ما أمرهم الله به، وأنهم بينوه بيانا لا يسع أحدا ممن أرسلوا إليه جهله، ولا يحل خلافه. قال تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ". اهـ

"شرح الطحاوية"، ص290.

ويقول صاحب "الثمرات الزكية"، أو: "عقيدة أهل السنة" حفظه الله وسدده:

"وينبغي الاعتقاد بأنهم بلغوا جميع ما أرسلهم الله به، لم يكتموا منه حرفا واحدا، ولم يغيروه، ولم يزيدوا فيه من أنفسهم حرفا، ولم ينقصوه، فهل على الرسل إلا البلاغ المبين. قال الله، عز وجل، مخبرا عن خاتمهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) ". اهـ

ص170.

وعلى دربه سار الصديق، رضي الله عنه، فقال في بعث أسامة: "والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يبق في القرى غيرى لأنفذته".

وقال: "لو خطفتني الكلاب والذئاب لأنقذته كما أمر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا أرد قضاء قضى به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته". اهـ

وقال لعمر، رضي الله عنه، في حرب الردة لما راجعه في أمر مانعي الزكاة:

"رجوت نصرك وجئتني بخذلانك جبار في الجاهلية خوار في الاسلام ماذا عسيت أن أتألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى هيهات هيهات مضى النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالا". اهـ

فإذا كان هذا حال التابع فكيف بحال المتبوع، وكيف يتصور عاقل تخاذله عن حمل أعباء الرسالة إن لم يجد من البشر المعين الناصر؟!

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير