تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فدعاهم إلى السير في الأرض على حد النظر والتأمل لما حاق بمن سبقهم ممن جرت عليهم سنة الإهلاك أو الاستبدال الكونية لما قعدوا عن نصرة الطريقة الشرعية، ثم ذيل بنفي العجز عن الباري، عز وجل، على حد الجحود الذي دلت عليه اللام المسبوقة بالكون المنفي، وجاءت النكرة: "شيء" في سياق النفي فأفادت عموما أكد بعموم الظرف الذي يوجد فيه ذلك الشيء فـ: "أل" في: "السماوات" و: "الأرض" جنسية تستغرق عموم ما دخلت عليه، فلا يعجزه شيء، أيا كان وصفه أو مكانه، على حد قوله تعالى: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا)، وقد كرر النفي في: "وَلَا فِي الْأَرْضِ" إمعانا في تقرير ذلك المعنى، ثم جاء التذييل بعلة ذلك على حد الفصل لشبه كمال الاثصال بين العلة والمعلول، فضلا عن تصديرها بالناسخ المؤكد، فعلق نفي العجز عن الله، عز وجل، على اتصافه بضد ذلك من صفات العلم الذي به يكون تقدير الأشياء، والقدرة التي بها يكون الإيجاد، وذلك جار على حد ما قرره أهل العلم من كون النفي في باب الأسماء والصفات الإلهية: مرادا لغيره، فالنفي في نفسه عدم محض لا يتعلق به مدح أو ذم، فلا يستفاد منه كمال يصح تعلق المدح به إلا إذا دل على إثبات ضد المنفي لزوما، فنفي أوصاف النقص عن الباري، عز وجل،على حد الإجمال، وهو المطرد في التنزيل، أو التفصيل في بعض المواضع لنكات تختص بها من رد شبهة أو نحوه، ذلك النفي لا يكون في حق الباري، عز وجل، إلا على حد إثبات كمال ضده، فلا تأخذه سنة ولا نوم لثبوت كمال الحياة له فلا يعتريها نقص أو فساد، ولا يظلم لكمال قدرته وحكمته، ولم يلد ولم يولد لكمال وحدانيته ذاتا وأحديته صفاتا، فلا ند له ولا نظير في أوصاف كماله من والد تولد عنه أو ولد تولد منه وعلى هذا فقس في كل مواضع النفي في نصوص الوحيين.

فالله، عز وجل، هو الأول أزلا، أولية ذات كاملة، وصفات هي فرع عنها في الكمال، فهو الغني ذاتا، المغني فعلا، بخلاف المخلوق الذي أوليته مقيدة بزمن إيجاده، وآخريته مقيدة بزمن إعدامه، ولذلك جاء التنبيه على ذلك الأصل العدمي الذي منه بدا المخلوق الحادث في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، فكتب المقادير على حد التفصيل الجزئي والإبرام القطعي، فما شاء كائن وإن لم نشأ، وما لم يشأ لا يكون وإن شاء كل البشر، فكان الأول بخالقيته وما ثم خلق، فما سواه عدمي في الأزل، وذلك مما يدل على كمال استغنائه عن الأسباب المشهودة والمغيبة، إذ وصف العدم والحدوث لكلها لازم، فلا يفتقر، عز وجل، لما خلقه بكلماته الكونية النافذة، بل كل الكائنات: أعيانا وأسبابا لإيجاده وإعداده وإمداده مفتقرة، فكيف يصح في الأذهان اتخاذه ظهيرا معاونا منها، بل كيف يصح استقلالها بالتدبير والتأثير كما قرر الفلاسفة وغلاة أهل الطريق الذين أقاموا في عقول أتباعهم مملكة غيبية من الأغواث ونوابهم من الأقطاب والأوتاد والأبدال ...... إلخ من المراتب التي تشبه مراتب الكهنوت الطاغوتية التي يتسلط فيها المقدم على عقول أتباعه بقدر تقدمه فيهم برسم الديانة التي تناقض ما جاءت به النبوات من التوحيد الخالص، دين الرسل، عليهم السلام، فكلهم على رسم: الإسلام العام، إسلام الخليل عليه السلام: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ). فهذا دين الموحدين الخاضعين وذاك دين الطواغيت المتألهين.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق:

معنى استواء الباري، عز وجل، على العرش، فهو معنى يدل على تمام ملكه، جل وعلا، إذ استواء الملك على عرشه في عالم الشهادة، مئنة من تمام ملكه فهو ملك قد تمكن من مملكته ولو بسيف القهر فاستقر له الأمر واستتب له الشأن، ولله المثل الأعلى، فهو يستوي على عرشه استواء هو من وصف فعله، فهو من جنس العلو الخاص الذي لا يعلم إلا من قبل خبر الرسل عليهم السلام، فاستوى على عرشه إذ شاء الاستواء بعد خلق الأرض والسماء، فكان الاستواء على أعظم المخلوقات بأعظم الصفات: صفة الرحمة العامة: رحمة الرحمن، على حد قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير