تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من ذلك: ما تشنه قيادات متنفذة في المؤسسة الدينية في مصر من حرب على النقاب، فهي حرب مفتعلة يمجها كل العقلاء فضلا عن أصحاب الديانة، فليس لها أى جدوى سوى إحداث المزيد من المشكلات الاجتماعية في مجتمع متخم بالمشاكل فهو على وشك الانفجار إن لم يتداركه الرب، جل وعلا، برحماته، وإنما جندت تلك القوى وأنفقت تلك الملايين في قوافل حرب النقاب وعقدت الدورات والندورات للتحذير من أخطار النقاب!، وهددت المنتقبات بالنقل والطرد من وظائفهن ومؤسساتهن التعليمية، بل قد طرد منهن قطاع كبير من المدن الجامعية ليصرن إلى الشارع بلا مأوى، ووضعت الخطط المحكمة للقضاء على هذه البدعة!، آخرها الخطة الثلاثية بتحذير المنتقبة فتحذير ولي أمرها رسميا ففصلها نهائيا، إنما جندت تلك القوى، انتصارا لأفراد بعينهم أصابهم من الكبر ما أعمى أبصارهم عن المصلحة العامة، فلم يبصروا إلا الانتقام لأنفسهم من المنتقبات لأن إحداهن رفضت مصافحته في حفل لتخريج الداعيات فكان جزاؤها السب والتوبيخ لأتها التزمت بحكم الشرع المنزل فكانت على سمت نساء المؤمنين!، وأخرى ارتدته لما رأت طلعته البهية، فشن حملة غوغائية بلسان سليط وسلطات واسعة وضعها الله، عز وجل، في يد سفيه، ابتلاء للأمة المسلمة في مصر، فمعه من القدرة ما يوقع به الأذى بمن حوله، وليس له من الحكمة أو الورع ما يحول بينه وبين ذلك، مع أنه ليس له من القدرة على إيقاع الأذى بغير المسلمين قليل أو كثير!، بل هو معهم مداهن ممالئ على ضد ما أمر به المؤمنون من الشدة على أهل الكفر والرحمة بأهل الإيمان. فالأمر لا يعدو أن يكون: استحسانا رآه بعقله بلا مستند من الوحي، بل هو على الضد منه، فرام تعميمه، على ما تقدم من حد الطغيان، فما رآه بعقله فهو الحسن ولو استقبحه الوحي، وما لم يره فهو القبيح وإن استحسنه الوحي. فتلك كلية جامعة لكل الأنواع المتقدمة من الطغاة في الأحوال الباطنة، أو الأحكام الظاهرة، أو السياسات الحاكمة .......... إلخ.

وذلك عند التحقيق فرع من قياس إبليس الباطل الذي صادم الشرع بمعقوله الفاسد: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، فالصراع بين الوحي الصحيح والعقل الفاسد هو جوهر الصراع بين الرسالات السماوية، والشرائع الأرضية، فالكتاب الصحيح الذي جاء به الرسول البشري يصادم القياس الفاسد الذي ابتدعه العقل البشري. بخلاف القياس الصريح فإنه جار على أصول الرسالة لما تقدم من التكامل والتلازم الوثيق بين النقل الصحيح والعقل الصريح.

فأولئك المذكورون في كلام ابن تيمية، رحمه الله، رأوا بمقتضى ما وجدوه من لذة الطبع وإن لم يكن لها مستند من الشرع، رأوا حسن ما هم عليه، وإن كان عين الباطل بل هو عين الانسلاخ من الدين، فمقالة النصارى: فرض عقلي وهمي بل محال ابتكره عقل فاسد القياس أو مغرض رام إفساد دين المسيح عليه السلام، فحمله الطغيان الآنف الذكر، على تعميمه وجعله: شرعا عاما، بل قد عقدت المجامع لتقريره، ففرض على أعضائها بحد سيف السلطان القاهر، ثم فرض على شعوب الملة النصرانية بذات السيف في صورة من أبرز صور القهر العقدي، وتاريخ الكنيسة الأسود خير شاهد على ذلك التسامح والتعاطي مع الآخر!، فقد طال إرهاب محاكمها التفتيشية عقل وبدن كل من سولت له نفسه الخروج عن مقرراتها ولو كانت عين الباطل ويزداد الجرم إذا كان ذلك فرعا عن التأثر بحضارة الملاحدة من أبناء الجارة الأندلسية، أو أبناء الشرق على الضفة الأخرى من المتوسط، المعروفين باسم: المسلمين!، ولو كانت حضارتهم آنذاك هي الرائدة، بل عنها قد أخذ رواد النهضة الأوربية، وإن لم يتخلوا عن تعصبهم الأعمى لجنسهم الأبيض وديانتهم المحرفة، فأخذوا وأنكروا، وسرقوا وجحدوا إلا آحادا من المنصفين نسبوا الفضل إلى أهله وما أقلهم!.

فذلك خطاب التسامح الذي تتشدق به نصرانية اليوم، وهي لم تختلف في جوهرها عن نصرانية الأمس، فالأمر لا يعدو كونه تهذيبا للخطاب الرسمي، فقد كان صريحا فجا في الماضي ثم هو قد صار الآن لبقا مبطنا ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.

وقل مثل ذلك في أرباب الحلول والاتحاد فقد استحلوا برسم الديانة ضروبا من الفواحش، لما قام بقلوبهم من عارض المحبة الفاسدة، فالكون كله محبوب للرب، جل وعلا، لمجرد أنه خلقه، ولو كان المحبوب ضارا قد أودع الله، عز وجل، فيه من خصائص وقوى الشر ما يجعل أصحاب العقول الصريحة والفطر السليمة ينفرون منه، وتاريخهم مليء بالمخازي العقلية والأخلاقية التي أحسن أعداء الملة من المستشرقين استغلاله لإفساد عقائد المسلمين وصد عقلاء الأوروبيين عن دخول دين هكذا رجاله وأعلامه.

وقل مثل ذلك في الذين صيروا الطبع شرعا، فمن مال طبعه إلى مباشرة الصور الجميلة من النساء أو المردان، فقد جعله شرعا، فليته باشره على حد المعصية فأصابه بعدها من الندم ما يصيب المذنب ذا القلب الحي، بل قد مات قلبه وانتكست فطرته حتى جعل الفحش ديانة!، فذوقه هو الحاكم وإن أحب ما أبغضه الله، عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك من التقدم بين يدي الله ورسوله بمكان، فلصاحبه نصيب وافر من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ).

وربما أحس كل أولئك بنوع لذة، بل ذلك حتم لازم، فالنفس لا تميل طبعا إلى ما يؤذيها ويؤلمها صراحة، بل يفسد قياسها فتباشره وهي تظن أن لذته العاجلة هي عين المصلحة ولو فوتت عليها بذلك من اللذات الخالصة أضعاف أضعاف ما باشرت، فربما أحسوا بتلك اللذة، ولكنها: لذة عارضة لا تقوى على معارضة الشرع والعقل.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير