تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمثل الفلاسفة التي هي أشبه ما تكون بالمعاني التجريدية التي لا توجد إلا في الأذهان: مثل كلية مجردة، وإن شئت فقل: "مثل جوفاء"، لا تصلح لإقامة دين أو دنيا، لمناقضتها سنن الله، عز وجل، في كونه، فلم يخلق البشر ملائكة بلا نفوس تشتهي وتتحرك لطلب المال والولد ..... إلخ، ولولا تلك الشهوات التي تفنن القوم في "قتلها"، برسم التهذيب!، ما عمرت الأرض، ولانقرض النوع البشري، وقد تابعهم على هذا الأصل الفاسد فئام من أهل الطريق، لا سيما متأخريهم، الذين جنحوا إلى الزهد المنحرف، فهجروا الدنيا وعمارتها. وأما الوحي فإنه "يهذب" هذه الشهوات، ويوجهها لعمارة الدنيا والآخرة، فلا إفراط ولا تفريط، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

ويقول في موضع تال في معرض التفصيل لأسباب هذا الخلل:

"وهؤلاء رأوا أن النفس لها قوتان: قوة علمية وقوة عملية والقوة العلمية نوعان قوة الحب والبغض والشهوة من الحب والغضب من البغض فبالشهوة تجلب المنفعة والغضب لدفع المضرة وصلاح الجميع بالعدل فجعلوا الحكمة العملية في هذه الأربع في العلم والعدل والعفة والشجاعة أو الحلم فالعفة اعتدال قوة الشهوة والحلم أو الشجاعة اعتدال قوة الغضب". اهـ

"الصفدية"، (2/ 249).

فمرد الأمر عند التحقيق إلى قوتين رئيستين: الحب والبغض، والانتفاع الشرعي بهما يكون على حد ما قرره، رحمه الله، في "قاعدة في المحبة" بقوله:

"وفي الإنسان قوتان: قوة الحب وقوة البغض وإنما خلق ذلك فيه ليحب الحق الذي يحبه الله ويبغض الباطل الذي يبغضه الله وهؤلاء هم الذين يحبهم الله ويحبونه". اهـ

ووجه هذه القسمة الرباعية: (العلم) و: (العدل) و: (العفة) و: (الشجاعة أو الحلم) أن:

"العلم": هو القوة العلمية وهذا واضح بلا إشكال.

و: (العفة) و: (الشجاعة أو الحلم): يقابلان: (الشهوة)، و: (الغضب)، وهما قسما القوة العملية.

و: (العدل): هو اعتدال ذلك كله ووقوعه على الوجه الملائم.

نقلا عن رسالة "العلم والعمل"، حاشية ص44، وللشيخ أبي الفضل عبد السلام بن عبد الكريم، حفظه الله وسدده، الجامع لهذه المادة العلمية، جهد مشكور في هذه الرسالة في عرض كلام ابن تيمية، رحمه الله، في هذا الأصل الجليل مع تعليقات لطيفة وإحالات دقيقة، ومع كون معظم المادة من كلام ابن تيمية إلا أن أسلوب الجمع والترتيب في حد ذاته يدل على وعي الجامع بما يورد فليس نقلا مرسلا، بل هو نقل دقيق من مواضع شتى على حد اجتمعت فيه أجزاء الصورة العلمية بشكل محكم، وهو ما انتهجه الشيخ الجامع في عرض أصول جامعة من كلام ابن تيمية، رحمه الله، في أصول الدين وأصول الفقه والسلوك من قبيل: "الاعتصام"، و "فصول في أصول الفقه"، و "الوسطية" ..... إلخ فهي فهارس جامعة لكلام ابن تيمية في هذه المسائل الجليلة ولا يقلل ذلك، كما تقدم، من جهد الجامع لها فهو عمل يدل على استقراء للأقوال في المسألة محل البحث مع ترتيبها على نحو يوصل الفكرة مكتملة إلى ذهن القارئ.

ونقاد الشعر العربي قد ذكروا في معرض تقرير معاييرهم النقدية أن المدح إنما يكون أبلغ إذا كان بالأوصاف الذاتية لا الأوصاف العرضية، فمدح الإنسان في معرض تقرير خلق الشجاعة بأنه يقدم فلا يتأخر، أبلغ من مدحه بأنه يرتدي الدروع الحصينة، فإن شجاعة المقدم ولو كان عاري الصدر أبلغ من شجاعة من تحصن بالدروع، وإن كان ذلك لا يقدح في شجاعة من ارتدى الدروع بل إن ذلك من الأخذ بأسباب السلامة فلا حرج على فاعله، ولكن الوصف الأليق بالمدح هو وصف الشجاعة الذاتية التي هي خلق مركوز في نفس صاحبها بخلاف شجاعة من كثرت عدده وعتاده، فكثير ممن هذا حالهم تخور قواهم النفسانية إذا قل العدد أو العتاد مناط شجاعتهم فهي منه مستعارة فليست خلقا أصيلا فيهم، بل ربما كانوا جبناء ولو كثر العدد والعتاد، إذ الشجاعة محلها القلب لا البدن، فالبدن هو الصورة الظاهرة لما يعتمل في القلب من القوى الباطنة شجاعة أو جبنا، حبا أو بغضا ........ إلخ، وذلك أمر نشاهده في زماننا في كثير من شجعان الطائرات التي تقصف المدنيين ثم تولي الأدبار!، والشاهد أن النقاد قد علقوا المدح على الأوصاف الذاتية توصلا منهم إلى إيجاد صورة مثالية على حد المثل الفلسفية لنموذج يقتدى به في الأخلاق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير