تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الذاتية اللازمة فهو "نموذج" أو "مثال شعري"، وذلك من آثار الفلسفة في علم النقد، وقد ذكروا في معرض تقرير أصول الصفات التي يمدح بها: العقل والشجاعة والعدل والعفة، وهو تقسيم يوازي التقسيم المتقدم إذ العقل يقابل العدل، وهو ما يدل على الأثر الفلسفي في الدراسات الإنسانية عند المسلمين.

ومن أهل العلم من رد أصول الصفات التي يمدح بها الإنسان إلى: الشجاعة فذلك جود البدن، والكرم فذلك جود المال.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشجاعة والكرم بين الله سبحانه أنه من تولى عنه بترك الجهاد بنفسه أبدل الله به من يقوم بذلك ومن تولى عنه بإنفاق ماله أبدل الله به من يقوم بذلك فقال: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير".

وقال تعالى: (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).

وبالشجاعة والكرم في سبيل الله فضل الله السابقين فقال: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) ". اهـ

"الاستقامة"، ص488، 489.

ويقول في موضع تال في معرض تقرير أجناس الصفات المحمودة عند الشعراء:

"فلهذا تجدهم يمدحون جنس الشجاعة وجنس السماحة إذ كان عدم هذين مذموما على الإطلاق وأما وجودهما ففيه تحصيل مقاصد النفوس على الإطلاق لكن العاقبة في ذلك للمتقين وأما غير المتقين فلهم عاجلة لا عاقبة والعاقبة وإن كانت في الآخرة فتكون في الدنيا أيضا". اهـ

"الاستقامة"، ص496.

وهذا التقسيم، (أي: الرباعي)، وإن كان مقبولا من الناحية العقلية، إلا أنه يرد عليه كونه: "جزء من العمل الذي أمرت به الرسل وما ذكروه، أي الفلاسفة، مع هذا أمر مجمل فإن العلم له أنواع كثيرة والشهوة والغضب يحتاج معرفة صلاحهما والعدل فيهما إلى تفصيل لا يكفي فيه هذا الإجمال وكذلك العدل فلا ريب أنه لا بد في سلوك الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين من إصلاح حال هذه القوى". اهـ

الصفدية، (2/ 249، 250).

فنظرتهم، كما تقدم، نظرة "أفلاطونية"، مجملة، خلاف نظرة الوحي العملية المفصلة التي تفي باحتياجات البشر الدينية والدنيوية.

ومن هنا ظهر خلل من تابع أولئك الفلاسفة من الإسلاميين، سواء كانوا أئمة يقتدى بهم، كأبي حامد الغزالي، رحمه الله، أو كانوا من الفلاسفة كـ: ابن سينا والفارابي وأصحاب رسائل إخوان الصفا ومن سار على طريقتهم من الفلاسفة الإلهيين، فلا قدم صدق لهم في الإلهيات الغيبية التي نسبوا إليها!، وإن كانت لهم مشاركة نافعة في الطبيعيات التي تستند إلى إدراك الحواس الظاهرة.

فالعمل في دين الإسلام، كما تقدم في مواضع سابقة، غاية لا وسيلة، مصداقا لقوله تعالىَ (مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون)، فلم يقل: إلا ليتخذوا العمل وسيلة إلى العلم المجرد الذي به يحصل كمال النفوس!.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 01 - 2010, 10:25 م]ـ

وأما فلسفة الأخلاق عند أهل الطريق، فهي، أيضا، فلسفة رواقية زهدية، فالمنشأ واحد إذ لم يكن الغلو في مناهج تربية النفس إلا فرعا عن غلو في تعاطي الشهوات، فمن غلو في مباشرة اللذات إلى غلو في هجرها، وتلك، كما تقدم في أكثر من موضع، ظاهرة أممية سرت من الرواقيين الأوائل إلى النصارى الذين عارضوا مادية اليهود بالرهبانية المحدثة إلى أهل الطريق في الإسلام الذين بارزوا رهبان النصارى في معارك زهدية عجيبة!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير