تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالتقدير الميثاقي الكوني فهو من جنس معارضة المشركية الأمر الشرعي بالأمر الكوني.

وقد غلا أهل الطريق في مفهوم الجهاد الخاص، (جهاد النفس) فأبطلوا أو كادوا يبطلون به الجهاد الشرعي العام: جهاد الأعداء خارج النفس سواء أكان ذلك جهادا بالحجة والبرهان لأعداء الرسالة من أصحاب الشبهات، أم جهاد أصحاب الشهوات برسم الاحتساب والإنكار قدر المستطاع فليس الاحتساب العام إلا لأصحاب الولايات العامة درءا للمفسدة، أو برسم النصيحة، أو حتى برسم الإنكار القلبي أضعف مراتب جهاد المنكر، إذ أورثهم الغلو في شهود الحقيقة الكونية مع التفريط في شهود الحقيقة الشرعية تهاونا بل رضا بالمنكرات، بزعم الاعتذار لأصحابها رحمة بهم، وذلك أمر صحيح، إذ العاصي لا بد من النظر إليه بعين القدر الراحمة في مقام الدعوة، فإن تعدى ذلك إلى إبطال النظر إليه بعين الشرع الزاجرة في مقام الاحتساب انقلبت الرحمة تهتكا، إذ قد رضي صاحبها بكل مقدور ولو كان شرا في نفسه يسخطه الرب، جل وعلا، فدفعه أو رفعه إذا وقع بمباشرة ما شرع الله لذلك من أسباب الشرع أو الكون أمر مراد للرب، جل وعلا، إذ قد رضي تلك المدافعة وأحبها فكيف يعارض المحبوب الشرعي بالمقدور الكوني إن كان مما يسخطه، جل وعلا، ويبغضه، وذلك، كما تقدم، شعبة من مقالة القدرية المشركية الذين عارضوا الأمر الشرعي بالأمر الكوني.

أم جهاد أعداء الملة ممن شهروا السيف حربا لها، فلم يكن لأهل الطريق في ذلك الباب كبير غناء، فكانوا بسلوكهم السلبي وكفهم عن مباشرة الشأن العام بزعم الانشغال بالشأن الخاص، كانوا بذلك سببا رئيسا لتمكن الأعداء من ديار المسلمين، وإن لم يقصد ذلك كثير منهم لا سيما الأتباع، ولعل حالهم أثناء الحملات الصليبية الأولى، ومن بعدها هجمة الاستعمار الحديث التي بدأت أوائل القرن التاسع عشر باحتلال الجزائر سنة 1830 م، لعل حالهم في تلك النوازل، وقد غلب على معظمهم القعود برسم الرضا بالأمر الكوني النافذ، لعله خير شاهد على اختلال مفهوم الجهاد عندهم، وإن تقلدت فئام منهم السيوف ذبا عن الملة، فكان لبعض أهل الطريق في الجزائر والمغرب وليبيا دور بارز في جهاد المحتل فزوايا الطريقة السنوسية التي نشأت في "مستغانم" في الجزائر ثم امتد أثرها إلى ليبيا وخرج منها المجاهد الجليل عمر المختار رحمه الله خير شاهد على ذلك، ولكنه أثر كالنقطة البيضاء في فضاء حالك السواد، إذ لم يتصد بالفعل لذلك المحتل إلا حركات إسلامية ذات طابع علمي عملي كحركة الشيخ عبد الحميد بن باديس، رحمه الله، في الجزائر في أوائل القرن العشرين التي أثمرت جيلا قاوم الاستعمار الفرنسي، فبعثت الأمة الجزائرية على يديه من مرقد الجهل والكسل الذي كان رسما عاما للشرق المسلم في تلك الحقبة.

وكان مستندهم في ذلك: حديثا موضوعا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل هو من كلام إبراهيم بن أبي عبلة، رحمه الله، كما ذكر ذلك النسائي، رحمه الله، في "الكنى" نصه: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر".

مع أنه، عند التأمل لا يشهد لهم، فإنه لم ينف جهاد السيف ولم يحرض على تركه ويثبط الهمم عن مباشرة أسبابه كما فعل كثير من أولئك برسم تهذيب النفوس وتزكية الأخلاق!.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض نقد مسلك أهل الطريق في هذا الشأن:

"وهؤلاء يدعون محبة الله في الابتداء ويعظمون أمر محبته ويستحبون السماع بالغناء والدفوف والشبابات ويرونه قربة لأن ذلك بزعمهم يحرك محبه الله في قلوبهم وإذا حقق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبة المشركين لا محبة الموحدين فإن محبة الموحدين بمتابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} سورة آل عمران وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} سورة التوبة وقال تعالى: {يَا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير