تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وثانيها: أنه ليس لمحتج أن يحتج بأنه لا ذنب له في فعل آدم ليهبط معه في صلبه إلى دار الابتلاء، فآدم هو الذي عصى، فما ذنب ذريته؟!. فالنصارى قد غلوا في إثبات الخطيئة فطردوها في كل أفراد النوع الإنساني، فيولد المولود على الخطيئة لا على الفطرة!، بل إن ما يلحق الإنسان في هذه الدار من ذل الرق والاستعباد والسخرة في إقطاعات السادة والنبلاء إنما هو أثر من آثار تلك الخطيئة، فتأمل أثر الفطرة التوحيدية الأولى في دين الإسلام، فهي معدن كل خير يظهر أثره على المولود إذا كبر، فيجعله مسلما بالقوة وإن لم يكن مسلما بالفعل، فلو ترك بلا مؤثر خارجي من اعتقاد آباء ونحوه لصار مسلما يقبل خبر النبوات إذا بلغته فلا يردها بقياس أو هوى، تأمل ذلك الأثر الزكي في مقابل أثر الخطيئة الأولى التي جعلت الإنسان أسير العذاب النفسي والبدني، بل إنه يتقصده قصدا بتعذيب نفسه برسوم الرهبانية، ليكفر عن خطيئة لم يرتكبها أصلا!.

يقول صاحب رسالة "العلمانية":

"وكان من العوائق الكبرى التي خيبت جهود الثائرين، (في: الثورات الأولى التي أدت في النهاية إلى وقوع الثورة الفرنسية أول انتصار مادي للعلمانية على الكنيسة)، أن الكنيسة "أكبر الملاك الإقطاعيين" وقفت ضدهم وأجهضت محاولاتهم.

فالكنيسة لم تكتف بصد الناس عن نور الإسلام، بل ناقضت تعاليم الإنجيل الداعية إلى المحبة والتسامح ونافست الأمراء الإقطاعيين في إذلال الشعوب وقهرها.

ويأتي التبرير المسيحي لنظام الاسترقاق الإقطاعي على يد القديس توما الإكويني الذي فسره بأنه "نتيجة لخطيئة آدم" وكأن رجال الكنيسة والبارونات ليسوا من بني آدم. وهناك حقيقة ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا فيما يتعلق بالثورات الفلاحية، وهي أن هذه الثورات لم تكن تمرداً على الكنيسة لأنها كنيسة بل لأنها "مالك إقطاعي".

يقول ويلز: (كانت ثورة الشعب على الكنيسة دينية … فلم يكن اعتراضهم على قوة الكنيسة بل على مساوئها ونواحي الضعف فيها وكانت حركات تمردهم على الكنيسة حركات لا يقصد بها الفكاك من الرقابة بل طلب رقابة دينية أتم وأوفى … وقد اعترضوا على البابا لا لأنه الرأس الديني للعالم المسيحي بل لأنه لم يكن كذلك أي لأنه كان أميراً ثرياً دنيوياً بينما كان يجب أن يكون قائدهم الروحي) ". اهـ

وفي مقابل هذا الغلو: جفاء بالاعتراض على حكمة الرب، جل وعلا، فليزم صاحبه الطعن في عدله، تبارك وتعالى، فقد حكم على الذرية بما اقترف أبوها. فلم ينه هذا الجدال إلا أخذ الرب تبارك وتعالى الميثاق على الذرية تأويل قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)، على خلاف هل كان أخذا حقيقيا أو هو مقتضى الفطرة الأولى، إذ لو أخذ لقامت الحجة به فلم يعد لحجة الرسل داع، فالتكليف بالإيمان بمقتضى الميثاق الأول كائن ولو لم يبعثوا، وأجيب عن ذلك بأن الرب، جل وعلا، قد أنساهم هذا الميثاق بعد أخذه، فبقي أثره في نفوسهم: ذلك الأثر الفطري التوحيدي الذي يجده كل إنسان في نفسه فهو قد فطر على التأله ولا يكون ذلك بداهة إلا لرب قد كملت ذاته وأسماؤه وصفاته، فله من صفات الجمال: حكمة يجري بها الأسباب، وله من صفات الجلال: قدرة ينفذ بها الأسباب، فتنتج بما أودع فيها من القوى المؤثرة مسبباتها، وليس أحق بالتأله من إله الرسل عليهم السلام المتصف بكل كمال المنزه عن كل نقصان. فلما نسوه بقدرته، عز وجل، إظهارا لآثار حكمته، إذ لو علموه لبطل التكليف فاحتج به العاصي إذ قد قدر له الشقاء فعلام التوبة، واحتج به الناجي إذ قد قدرت له السعادة فعلام العمل؟!، فبطل التكليف الشرعي، وصارت أعظم نعم الرب، جل وعلا، على عباده: نعمة النبوة: عديمة الجدوى، بل صار بعثهم عبثا يتنزه عنه الرب، جل وعلا، فعلام بعثهم بالتكليف، وقد علم كل أناس منزلهم من جنة أو نار، وهم ما بعثوا إلا فرقانا يميز به الله، عز وجل، الخبيث من الطيب، فإذا امتازوا ابتداء بإدراكهم الميثاق الأول لم يحصل بالرسالة تمييز، وذلك إبطال صريح لناموس الأنبياء الشرعي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير