تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 01 - 2010, 08:27 ص]ـ

ومن فلسفتهم في تربية النفس:

العزلة وترك الاختلاط، وهو أمر دقيق إذ ليست العزلة بمحمودة في كل وقت، ولكل أحد، فإن الأزمان تتباين صلاحا وفسادا، والمكلفون يتباينون صبرا وجزعا، علما وجهلا، فليست العزلة بمحمودة إذا خشي على صاحبها الضلال، فإن خشي عليه من الخلطة المفسدةُ للقلب وكان المكلف راسخا في العلم فله أن يختلي بنفسه إن كان يأمن كيد الشيطان لأصحاب الخلوات الذين تعتريهم من عوارض الرقة والخشوع ما يجعلهم فريسة لأوهام الولاية وربما النبوة، كما صنع بعض المخرفين من قاصدي غار حراء وخبره معروف في كتب السير ولا يبعد في زماننا أن يوجد مثله بل قد وجد فعلا فخدع في نفسه وخدع غيره بخوارق ظنها آيات على صدق نبوته!، وهي محض خوارق شيطانية تظهر في الأعصار والأمصار التي ترق فيها الديانة كما حرر ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في رسالة "التوسل".

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ الَّتِي أَسْبَابُهَا الْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ بِحَسَبِ ظُهُورِ أَسْبَابِهَا فَحَيْثُ قَوِيَ الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ وَنُورُ الْفُرْقَانِ وَالْإِيمَانِ وَظَهَرَتْ آثَارُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ ضَعُفَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ وَحَيْثُ ظَهَرَ الْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ قَوِيَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ هَذَا وَهَذَا الَّذِي تَكُونُ فِيهِ مَادَّةٌ تَمُدُّهُ لِلْإِيمَانِ وَمَادَّةٌ تَمُدُّهُ لِلنِّفَاقِ يَكُونُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْحَالِ وَهَذَا الْحَالِ. وَالْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ البخشية والطونية وَالْبُدَّى وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَشُيُوخِهِمْ الَّذِينَ يَكُونُونَ لِلْكُفَّارِ مِنْ التُّرْكِ وَالْهِنْدِ الْجَوَارِ وَغَيْرِهِمْ تَكُونُ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ فِيهِمْ أَكْثَرَ وَيَصْعَدُ أَحَدُهُمْ فِي الْهَوَاءِ وَيُحَدِّثُهُمْ بِأُمُورِ غَائِبَةٍ وَيَبْقَى الدُّفُّ الَّذِي يُغَنَّى لَهُمْ بِهِ يَمْشِي فِي الْهَوَاءِ وَيَضْرِبُ رَأْسَ أَحَدِهِمْ إذَا خَرَجَ عَنْ طَرِيقِهِمْ وَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا يَضْرِبُ لَهُ وَيَطُوفُ الْإِنَاءُ الَّذِي يَشْرَبُونَ مِنْهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَحْمِلُهُ وَيَكُونُ أَحَدُهُمْ فِي مَكَانٍ فَمَنْ نَزَلَ مِنْهُمْ عِنْدَهُ ضَيَّفَهُ طَعَامًا يَكْفِيهِمْ وَيَأْتِيهِمْ بِأَلْوَانِ مُخْتَلِفَةٍ. وَذَلِكَ مِنْ الشَّيَاطِينِ تَأْتِيهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا تَسْرِقُهُ وَتَأْتِي بِهِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ كَثِيرَةٌ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ مُشْرِكًا أَوْ نَاقِصَ الْإِيمَانِ مِنْ التُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ وَعِنْدَ التَّتَارِ مِنْ هَذَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ". اهـ

وعزلة أهل الطريق: عزلة غلب عليها كسائر أخلاقهم الغلو، فكانت وسيلة لتصفية النفوس لتلقي الإلهامات والكشوف، وربما الوحي!، فسعيهم في تحصيل الخارقة وقد اعتمدوها رسما من رسوم الولاية، فلا ولاية بدونها ولو تحصل عليها صاحبها بالمروق من الديانة، فلم يكن تهذيب النفوس عندهم إلا من جنس تهذيب الفلاسفة للطبائع الحيوانية ليصير المحل قابلا لتلقي آثار الحكمة، ولذلك غلب على أتباع المدرسة الإشراقية: الزهد الغالي ونصب راية العداء لكل مظاهر الحياة الدنيا، ولو كانت مباحة يستعين بها المكلف على إقامة أمر الدين، طلبا لكمال النفوس على غير منهاج النبوات، والانحراف عن منهاجها في قول أو عمل، في رأي أو ذوق، هو كما تقدم مرارا، سبب ضلال الأمم من لدن بعث آدم عليه السلام إلى يوم الناس هذا.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض نقد هذا المسلك:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير