قلت: وقد أخرجها كلها ابن أبي شيبة (2/ 105 - 106) وعبد الرزاق (3/ 250 - 251) وأثر عمر له طريقان عنه أحدهما صحيح وهو مخرج في ((الضعيفة)) تحت الحديث (219). وأثر أبي عبيدة منقطع. وحديث الزهري مرسل, ومعناه صحيح ما لم يسمع النداء, فإذا سمعه وجب عليه الحضور والله أعلم.)).
اعلم علمني الله وإياك العلم النافع, بأن السفر يوم الجمعة على ثلاث (حالات):
الأولى: ما بين الفجر والزوال (يختصر أحياناً فيقال: قبل الزوال) , وفيه أقوال:
القول الأول: الجواز, وهو الراجح عندي:
قال العراقي: وهو قول أكثر العلماء. فمن الصحابة عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وأبو عبيدة بن الجراح وابن عمر.
ومن التابعين الحسن وابن سيرين والزهري.
ومن الأئمة أبو حنيفة ومالك في الرواية المشهورة عنه والأوزاعي وأحمد بن حنبل في الرواية المشهورة عنه وهو القول القديم للشافعي وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل العلم. ((المغني)) (3/ 90) , ((النيل)) , ((المجموع)) , ((غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر)) , ((المصنف)) لابن أبي شيبة.
وبه قال ابن المنذر. ((المجموع)).
قال في ((المغني)) (3/ 90):
((ولأن الجمعة لم تجب عليه فلم يحرم السفر كالليل)).
قال: ((والأولى الجواز مطلقاً لأن ذمته بريئة من الجمعة فلم يمنعه إمكان وجوبها عليه كما قبل يومها)).
وقال بعض الحنابلة بجوازه مع الكراهة. ((كشاف القناع)).
القول الثاني:
المنع منه وهو قول الشافعي في الجديد, وهو إحدى الروايتين عن أحمد ونقل ابن مفلح في ((الفروع)) تصحيح ابن عقيل لهذه الرواية, وهو مذهب مالك. ((المغني)) (3/ 90) , و ((الفروع)) , ((النيل)) , ((أخصر المختصرات)) , ((مغني المحتاج)) كما سيأتي النقل عنه, و ((أسنى المطالب)). وبه قال ابن عمر وعائشة والنخعي كما في ((المجموع)). وسعيد بن المسيب كما في ((المصنف)) لابن أبي شيبة.
وفي ((مغني المحتاج)):
((وقبل الزوال وأوله الفجر كبعده (أي بعد الزوال) في الحرمة في الجديد)). وعلله بعضهم:
((وإنما حرم قبل الزوال وإن لم يدخل وقتها لأنها مضافة إلى اليوم، ولذلك يجب السعي قبل الزوال على بعيد الدار)) ((الاقناع في حل ألفاظ أبي شجاع)).
قال أبو الزهراء: وعلى هذا فقريب الدار يجوز له السفر قبل الزوال!!.
وقد نقل ابن القيم عن أبي القاسم عبيد الله بن الحسن بن جلاب البصري صاحب ((التفريع)) قوله في ((التفريع)):
((ولا يسافر أحد يوم الجمعة بعد الزوال حتى يصلي الجمعة, ولا بأس أن يسافر قبل الزوال والاختيار: أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يصلي الجمعة)).
القول الثالث:
جوازه لسفر الجهاد دون غيره وهو إحدى الروايات عن أحمد. ((المغني)) (3/ 90) , ((الكافي)) , ((النيل)) , ((زاد المسير)) لابن الجوزي, و ((الذخيرة)) للقرافي.
والقول الرابع: جوازه للسفر الواجب دون غيره وهو اختيار أبي إسحاق المروزي من الشافعية ومال إليه إمام الحرمين. ((النيل)).
والقول الخامس: جوازه لسفر الطاعة واجباً كان أو مندوباً وهو قول كثير من الشافعية وصححه الرافعي. ((النيل)).
الثانية: ما كان بعد الزوال.
الحنابلة قالوا: ((من تجب عليه الجمعة لا يجوز له السفر بعد دخول وقتها)). كما في ((المغني مع الشرح الكبير)) (3/ 90).
ونقله عن الشافعي وإسحق وابن المنذر.
قال في ((المغني)):
((ولأن الجمعة قد وجبت عليه فلم يجز له الاشتغال بما يمنع منها كما لو تركها لتجارة)).
في ((النيل)) للشوكاني:
((قال العراقي: قد ادعى بعضهم الاتفاق على عدم جوازه وليس كذلك فقد ذهب أبو حنيفة والأوزاعي إلى جوازه كسائر الصلوات وخالفهم في ذلك عامة العلماء)).
قلت: وقع نقل الاتفاق على عدم الجواز في ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) قالوا:
((اتّفق الفقهاء على حرمة السّفر في يوم الجمعة بعد الزّوال لمن تلزمه الجمعة، لأنّ وجوبها تعلّق به بمجرّد دخول الوقت، فلا يجوز له تفويته.)).
وتأوّلوا قول الحنفية على أنها كراهة تحريمية!! وليس الأمر كذلك.
بل مذهب الحنفية جواز السفر بعد الزوال وقبل خروج وقت الظهر لأن وجوب الصلاة إنما هو في آخر الوقت, كذا قال غير واحد منهم وقد نقله صاحب ((غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر)) , و ((البحر الرائق)) ونقل فيه قول شمس الأئمة الحلواني:
¥