فهو سبحانه يزين لكل عامل عمله، (تزيينا كونيا به يقع الفعل لا تزيينا شرعيا يحض على العمل)، فيراه حسنا وإن كان ذلك العمل سيئا فإنه لولا يراه حسنا لم يفعله إذ لو رآه سيئا لم يرده ولم يختره إذ الإنسان مجبول على محبة الحسن وبغض السيئ فالحسن الجميل محبوب مراد والسيئ القبيح مكروه مبغض والأعيان والأفعال المبغضة من كل وجه لا تقصد بحال كما أن المحبوبة من كل وجه لا تترك بحال ولكن قد يكون الشيء محبوبا من وجه مكروها من وجه ويقبح من وجه ويحسن من وجه ولهذا كان الزاني لا يزني حين يزني وهو مؤمن والسارق لا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن كامل الإيمان فإنه لو كان اعتقاده بقبح ذلك الفعل اعتقادا تاما لم يفعله بحال ولهذا كان كل عاص لله تعالى جاهلا كما قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، (كما أثر ذلك عن أبي العالية رحمه الله)، فإنه لو كان عالما حق العلم بما فعله لم يفعل القبيح ولم يترك الواجب بل قد زين لكل أمة عملهم"
بتصرف من: "الاستقامة"، ص265، 266.
ولا شك أن تصور المسلمين في زماننا لمعاني الجمال واللذة والمصلحة المعتبرة استجلابا والمفسدة المعتبرة استدفاعا: يحتاج إلى إعادة نظر، فلا تستجلب النعم بالمعاصي، ولا تستكمل لذة بشؤم مخالفة أمر الرب، جل وعلا، ولا يكون جمال إلا إذا صلح جوهر النفس الباطن، فإن الأعراض الظاهرة يعتريها من التغير والفساد ما يعتريها.
ويقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان بركة الطاعة وشؤم المعصية على الصور الظاهرة:
"وهذا الحسن والجمال الذي يكون عن الأعمال الصالحة في القلب يسري إلى الوجه والقبح والشين الذي يكون عن الأعمال الفاسدة في القلب يسري إلى الوجه كما تقدم ثم إن ذلك يقوى بقوة الأعمال الصالحة والأعمال الفاسدة فكلما كثر البر والتقوى قوى الحسن والجمال وكلما قوى الإثم والعدوان قوى القبح والشين حتى ينسخ ذلك ما كان للصورة من حسن وقبح فكم ممن لم تكن صورته حسنة ولكن من الأعمال الصالحة ما عظم به جماله وبهاؤه حتى ظهر ذلك على صورته
ولهذا يظهر ذلك ظهورا بينا عند الإصرار على القبائح في آخر العمر عند قرب الموت فنرى وجوه أهل السنة والطاعة كلما كبروا ازداد حسنها وبهاؤها حتى يكون أحدهم في كبره أحسن وأجمل منه في صغره ونجد وجوه أهل البدعة والمعصية كلما كبروا عظم قبحها وشينها حتى لا يستطيع النظر إليها من كان منبهرا بها في حال الصغر لجمال صورتها.
وهذا ظاهر لكل أحد فيمن يعظم بدعته وفجوره مثل غلاة المبتدعة وأهل المظالم والفواحش من الترك ونحوهم فإن المبتدع الغالي كلما كبر قبح وجهه وعظم شينه حتى يقوى شبهه بالخنزير وربما مسخ خنزيرا وقردا كما قد تواتر ذلك عنهم ونجد المردان من الترك ونحوهم قد يكون أحدهم في صغره من أحسن الناس صورة ثم إن الذين يكثرون الفاحشة تجدهم في الكبر أقبح الناس وجوها حتى إن الصنف الذي يكثر ذلك فيهم من الترك، (ويريد بهم ابن تيمية رحمه الله الترك الوثنيين الذين كانوا في الأراضي المتاخمة للصين وكانوا إذ ذاك وثنيين فلا يريد الأتراك الحاليين)، ونحوهم يكون أحدهم أحسن الناس صورة في صغره وأقبح الناس صورة في كبره وليس سبب ذلك أمرا يعود إلى طبيعة الجسم بل العادة المستقيمة تناسب الأمر في ذلك بل سببه ما يغلب على احدهم من الفاحشة والظلم فيكون مخنثا ولوطيا وظالما وعونا للظلمة فيكسوه ذلك قبح الوجه وشينه ومن هذا أن الذين قوي فيهم العدوان مسخهم الله قردة وخنازير من الأمم المتقدمة وقد ثبت في الصحيح أنه سيكون في هذه الأمة أيضا من يمسخ قردة وخنازير فإن العقوبات والمثوبات من جنس السيئات والحسنات". اهـ
"الاستقامة"، ص264، 265.
والحكايات عن ذلك قد تكاثرت في الآونة الأخيرة بل إنك أحيانا ترى مبادئ المسخ على وجوه كثير من الكفرة والظلمة والعصاة الذين أوغلوا في الإثم.
وفي المقابل: تأمل وجوه الصالحين والصالحات من شيوخ وعجائز المسلمين تجد جمال الصورة الظاهرة قد تغير، ولكن جمال الصورة الباطنة قد كسا الوجه بهاء لا تجده في وجوه أصحاب الصور الظاهرة ممن قارفوا الفواحش فعلى وجوههم شؤم المعصية الذي يفسد الأديان والأبدان، ومن كانت له جدة صالحة فلينظر في وجهها، ولينظر في وجوه عجائز الكافرات، وقد كن، غالبا، أجمل باعتبار الصورة الظاهرة، فلما تقدم العمر، ازددن قبحا بتغير الصورة الظاهرة فهو كائن لا محالة بمقتضى السنة الكونية الجارية وقبح الصورة الباطنة التي تزداد بعدا عن الحق بمرور الزمن، بخلاف عجائز الصالحات من المسلمات فإن تغير الصورة الظاهرة يجبره جمال الصورة الباطنة فلا تراهن إلا وقد ازددن جمالا بتقدم العمر!.
ولا يشمل ذلك بطبيعة الحال عجائز مسلمات من جنس الشمطاوات المفسدات في الأرض ككثير من أعضاء الجمعيات النسائية التخريبية لأخلاق الفتيات برسم المساواة، والمجالس القومية لتخريب بيوت المسلمين وقاضيات محاكم القضاء على استقرار الأسرة المسلمة!.
والوجوه الظاهرة ترجمان القلوب الباطنة.
والله أعلى وأعلم.
¥