تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التدبير والإنفاق على حياة زوجية فاشلة يتمنى في قرارة نفسه انتهاءها، وربما أظهر ذلك بلسانه، وربما، بل كثير، ما يتبع القول بالفعل، فتكسر الزوجة بالطلاق، ونسب الطلاق قد وصلت إلى نحو الثلث في مصر على سبيل المثال، حتى ورد في أحد الأبحاث الاجتماعية أن مصر تشهد حالة طلاق كل خمس دقائق!، فماذا بقي لبيوت المسلمين من الاستقرار والسلم الأسري؟!، وكثير من البيوت لم يعد لها نصيب من المودة، فهي قائمة على ما فيها من تجاوزات شرعية: لأطفال يخشى عليهم، أو صداق لا يملكه الزوج فإن طلق دخل السجن!، أو شفقة من الزوجة على زوجها فلن يجد من يغسل ثيابه ويطبخ طعامه فلتتحمله إن كانت كريمة الأصل وتكسب فيه ثواب! كما يقال عندنا في مصر، وتلك بيوت قد تستمر فيها الحياة الزوجية، ولو فاترة، ولكنها لا تصلح أبدا لتخريج جيل مسلم يحمل تبعة هذا الدين علما وعملا ودعوة فغايتها أن تخرج موظفين يعملون في الديوان الحكومي!.

وفي المقابل حكى لي أحد الفضلاء عن تجربة زواجه، وهي على النقيض تماما، فقد وفقه الباري، عز وجل، إلى أسرة فاضلة، لا تخلو من نوع تشدد حتى كانوا يعتقدون أن رؤيته لابنتهم حال الخطبة لا تجوز!، وربما التمس لهم العذر بما نراه في مجتمعاتنا من تسيب يحمل بعض الآباء على التشدد مع بناتهن وذلك رد فعل لكل غلو في طرف فغالبا ما يقابله غلو في الطرف الآخر، وأبرز ما استرعى انتباهي في كلامه قوله بأنه يريد أن يكون الأمر على حد ما شرع الباري، عز وجل، من الألف إلى الياء لأنه لا يريد مشاكل بعد ذلك في حياته لكثرة مسئولياته، وبالفعل لم يرها إلا مرة واحدة حال خطبتها، فقد عقد عليها وهو لا يعرفها تقريبا إذ لم يرها ولم يتحدث معها إلا لماما!، وهي في المقابل ممن امتثلن قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، فبعد استكمال دراستها، وقد توقفت عند حد التعليم الثانوي، لم تخرج من البيت إلا للضرورة القصوى، نظرا لطبيعة المجتمع الريفي الذي نشأت فيه فهو بخلاف المجتمع الحضري الصاخب، حتى أنه اكتشف قبل الزواج بفترة قصيرة أنها لم تستخرج حتى بطاقة شخصية!، فاضطرت بطبيعة الحال إلى استخراجها لاستكمال إجراءات الزواج الرسمية.

وهي صور متقابلة تظهر قدرة وحكمة الرب، جل وعلا، في خلق المتضادات الحسية والمعنوية ليقع التدافع بينها، ومنشأ تلك السنة الكونية المطردة: التصور الأول، فعنه يصدر العمل صالحا أو فاسدا.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان تلبيس إبليس الذي يفسد التصور العلمي فيري المكلف: القبيح حسناً، والمسخوط مرضيا:

"ولا ريب أن ما ليس محبوبا لله من مسخوطاته وغيرها تزين في نفوس كثير من الناس حتى يروها جميلة وحسنة يجدون فيها من اللذات ما يؤيد ذلك وإن كانت اللذات متضمنة لآلام أعظم منها كما قال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب).

وقال: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء).

وقال تعالى: (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب).

وقال: (وكذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون).

وقال تعالى: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم).

وقد قال سبحانه عن المؤمنين: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير