تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا تقرر ذلك: صار تصور كونهم أغيارا يغار الموحد من ذكرهم مع الله، عز وجل، فيكون الموحد الذي قد جرد توحيده هو من يأنف من ذكر أحد سوى الله، عز وجل، بزعمه، حتى اختصرت شهادة الوحدانية إلى الاسم المجرد: "الله"، ثم اختصرت إلى "هو" وألفت فيه كتب! ثم إلى صوت يخرج من الخيشوم برسم التأوه على هيئة يخجل كل ذي مروءة من سماعها فضلا عن محاكاتها كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين!. صار ذلك التصور من جنس مقالة ابن عربي، إمام الاتحادية في معرض الذب عن إبليس!، إذ اعتذر عنه بأنه ما أبى السجود إلا غيرة للحق، فالسجود لغيره شرك!، فصار من امتثل أمر الرب، جل وعلا، مشركا، وجاز في حق الرب، جل وعلا، أن يأمر بالشرك، على طريقة من يجوز فعل الرب، جل وعلا، أو أمره بأي شيء، بمقتضى قدرته النافذة، ولو كان الفعل أو الأمر على خلاف مقتضى حكمته البالغة، وذلك مسلك نفاة تعليل أفعال الرب، جل وعلا، بالحكمة من الجبرية الذين غلوا في إثبات القدر وجفوا في إثبات الحكمة.

وإنما كمال التوحيد في امتثال أمر رب العبيد جل وعلا. لا في معارضته بقياس العقل كما فعل إبليس وكما يفعل أتباعه من القدرية الإبليسية الطاعنين في حكمة الرب، جل وعلا، وعدله.

فالنبوة في دين الرسل عليهم السلام: تكمل التوحيد إذ هي التي تقرره برسم العصمة، فلا يتطرق إلا بيانها خطأ أو وهم، إذ مستندها الوحي، وهي التي تقوم ما اعوج منه، وهي التي تحكم بما يؤيده، وهي التي تدل العباد على ما يحفظه من صالح الأحوال والأقوال والأعمال، فمسمى الإيمان قد شملها، وهي التي تحذر العباد مما ينقضه من عقد باطن أو قول وعمل ظاهر، وهي التي سل أصحابها ومن بَعْدِهم أتباعها السيوف ذبا عنها، وانتصارا وبلاغا لها، وهي التي أنفق أتباعها كرائم الأموال في سبيلها، فهم الشجعان بأبدانهم الكرام بأموالهم، فلا تقام نبوة إلا بالشجاعة والكرم كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم.

فالنبوة والتوحيد متلازمان فلا يتصور مؤمن بالله كافر بالنبوة، فذلك جمع بين متناقضين!، فلا إله إلا الله: تدل لزوما على: محمد رسول الله. إذ لا يمكن توحيد الرب، جل وعلا، بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، على مراده من عباده إلا من طريق محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وإلا فلفظ: "الله" كلفظ هو مشترك لفظي بين كل الأمم، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، فلكل أمة إله، وفي كل لغة مبنى: "الله"، فليس الإشكال في إثبات اللفظ، فلا ينكره أحد، إلا شرذمة من المكابرين المنكرين لما قامت الأدلة الضرورية من المعقول والمشهود على وجوبه، فالكون شاهد بأن له إلها، فهذا قدر مشترك بين مثبتي وجود الرب، جل وعلا، ولكنهم يفترقون لا محالة تبعا لمعنى ذلك اللفظ، فهو عند المسلمين: إله المرسلين عليهم السلام، المتصف بكل كمال مطلق نص عليه أو استأثر بعلمه، وهو عند النصارى: الإله الذي نزل من سمائه ليقتل صلبا فداء للنوع الإنساني أو الإله الذي أرسل ابنه ليقتل ........ إلخ، وهو عند اليهود: الإله الفقير البخيل، وهو عند الهنادكة: الحال في بقرة، وهو عند الاتحادية: الممتزج بكل الأعيان ولو كانت نجسة، وهو عند الثنوية من المجوس: خالق النور أو الخير في مقابل: خالق الظلمة أو الشر. فلكل دعوى، ولكل دليل، ولا تحصل نجاة في كلها بداهة بل الحق واحد لا يقبل التعدد، وعلى العاقل أن يختار ما يليق بعقله.

ومحمد رسول الله تدل لزوما على لا إله إلا الله إذ لم يدع محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا إليها، ولم يقتل أصحابه في ساحات الوغى إلا لتصل إلينا بكل ما تحويه من إفراد للرب المعبود بكل صور التأله الباطن والظاهر: علما وعملا، قلبا ولسانا وبدنا، شرعة وحكما، زهدا وخُلُقا.

يقول ابن تيمية رحمه الله في معرض الانتصار للنبوة من مقالة الشبلي، رحمه الله، وفيها من الجور والتعدي على مقام النبوة ما فيها:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير