تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"إن كل من لم يشهد برسالة المرسلين فإنه لا يكون إلا مشركا يجعل مع الله إلها آخر وإن التوحيد والنبوة متلازمان وكل من ذكر الله عنه في كتابه أنه مشرك فهو مكذب للرسل ومن أخبر عنه أنه مكذب للرسل فإنه مشرك ولا تتم الشهادة لله بالإلهية إلا بالشهادة لعبده بالرسالة ............. إن الإيمان بالرسل عليهم السلام ليس من باب ذكر الأغيار بل لا يتم التوحيد لله والشهادة له بالوحدانية والإيمان به الا بالإيمان بالرسالة فمن جعل الإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله مغايرا للإيمان به وجعل الإعراض عنه من باب الغيرة المعظمة عند المشايخ فقد ضل سعيه وهو يحسب أنه يحسن صنعا ومن لم تكن الشهادة بالرسالة داخلة في ضمن قلبه بالشهادة بالألوهية فليس بمؤمن". اهـ

بتصرف من: "الاستقامة"، ص342، 343.

ويقول في موضع تال:

"هذا الكلام يليق بمن يقول إن الله ثالث ثلاثة أو يجعل لله شريكا وولدا أو بمن يستغيث بمخلوق ويتوكل عليه أو يعمل له أو يشتغل به عن الله فيقال له: (فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا)، ويقال له: (فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم يوم القيامة في ما هم فيه يختلفون)، وقوله تعالى: (أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا) إلى أمثال ذلك مما في كتاب الله من الآيات التي فيها تجريد التوحيد وتحقيقه وقطع ملاحظة الأغيار في العبادة والاستغاثة والدعاء والمسألة والتوكل والرجاء والخشية والتقوى والإنابة ونحو ذلك مما هو من خصائص حق الربوبية التي لا تصلح لملك مقرب ولا نبي مرسل

فأما الإيمان بالكتاب والرسول فهذا من تمام الإيمان بالله وتوحيده لا يتم إلا به وذكر الله بدون هذا غير نافع أصلا بل هو سعي ضال وعمل باطل لم يتنازع المسلمون في أن الرجل لو قال أشهد أن لا اله إلا الله ولم يقر بأن محمدا رسول الله أنه لم يكن مؤمنا ولا مسلما ولا يستحق إلا العذاب ولو شهد أن محمدا رسول الله لكان مؤمنا مسلما عند كثير من العلماء وبعضهم يفرق بين من كان معترفا بالتوحيد كاليهود ومن لم يكن معترفا به وبعضهم لا يجعله مسلما إلا بالنطق بالشهادتين وهي ثلاثة أقوال معروفة في مذهب أحمد وغيره". اهـ

"الاستقامة"، ص344، 345.

وفي ذلك رد على من يزعم توحيد الله، عز وجل، مع إنكاره لرسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو قصرها على العرب دون غيرهم وهو قد ادعى عالميتها فقطع تلك الحجة الدبلوماسية!، فإن مجرد قول ذلك: قدح في ذلك التوحيد الذي يزعمه إذ جوز على ذلك الإله الواحد أن يدع كاذبا مدعيا لأعظم دعوى: دعوى النبوة، يكذب عليه وهو مع ذلك يدحض كل شبهة يثيرها أعداؤه ويكسر كل سيف يسلونه، ودينه إلى الآن أكثر الأديان انتشارا مع قعود أهله عن نصرته، ومع كل ذلك لم يكشف ستره لينقذ خلقه من فساد مقالته، بل لا تزداد مقالته إلا سطوعا كلما أراد أعداؤها حجبها!.

ويقول ابتداء في معرض الاعتذار عن أبي بكر الشبلي رحمه الله:

"وأبو الحسين النوري وأبو بكر الشبلي رحمة الله عليهما كانا معروفين بتغيير العقل في بعض الأوقات حتى ذهب الشبلي الى المارستان مرتين. والنوري رحمه الله كان فيه وله وقد مات بأجمة قصب لما غلبه الوجد حتى أزال عقله ومن هذه حاله لا يصلح أن يتبع في حال لا يوافق أمر الله ورسوله وإن كان صاحبها معذورا أو مغفورا له وإن كان له من الإيمان والصلاح والصدق والمقامات المحمودة ما هو من أعظم الأمور فليس هو في ذلك بأعظم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فإنهم يتبعون في طاعة ولا يذكرون إلا بالجميل الحسن وما صدر منهم من ذنب أو تأويل وليس هو مما أمر الله به ورسوله لا يتبعون فيه فهذا أصل يحب اتباعه". اهـ

"الاستقامة"، ص339.

ومن ترجمته في "سير أعلام النبلاء":

"حضر الشبلي مجلس بعض الصالحين فتاب ثم صحب الجنيد وغيره، وصار من شأنه ما صار.

وكان فقيها عارفا بمذهب مالك، وكتب الحديث عن طائفة.

وقال الشعر، وله ألفاظ وحكم وحال وتمكن، لكنه كان يحصل له جفاف دماغ وسكر.

فيقول أشياء يعتذر عنه، فيها بأو، (أي: كبر)، لا تكون قدوة.

وكان رحمه الله لهجا بالشعر: الغزل والمحبة.

وله ذوق في ذلك، وله مجاهدات عجيبة انحرف منها مزاجه". اهـ

وتلك نظرة المحققين من أمثال ابن تيمية والذهبي رحمهما الله بعين: الشرع التي تنكر كل خروج عن الشريعة، وعين: القدر التي ترحم المخالف وتعتذر عنه إن كان من أهل الفضل.

والشاهد مما تقدم أنه: لا إلهيات صحيحة إلا عن طريق النبوات الصحيحة.

وقد بذل السالكون ما بذلوا تحصيلا للذة التأله للمعبود، فلم ينلها إلا من سار على جسر النبوات الهادية، وما أقلهم، وحرمها أغلب المترسمين برسم العبادة والديانة إذ لم يكن معهم زاد نافع من علوم الرسالة ..

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير