تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويوما ما بعث الناصر صلاح الدين، رحمه الله، إلى الخليفة الموحدي في مراكش أبي يوسف يعقوب المنصور، رحمه الله، بطل موقعة الأرك الشهيرة التي انتصر فيها من ألفونسو الثامن لما بعث إليه ساخرا من آية المصابرة في سورة الأنفال، فسير إليه جيشا جرارا يقدر بنحو 250 ألف مقاتل ليقابله في جمع يوازيه فيقتل منهم 146 ألف انتصار للكتاب العزيز وآياته المحكمات، بعث سلطان مصر آنذاك، بطل حطين، إلى سلطان المغرب بطل الأرك، وكان جزائريا بالمناسبة من قبيلة كومية، وإن كان المغرب آنذاك كتلة واحدة: أدنى وأوسط وأقصى، ليعرض عليه حلفا مشتركا يصد فيه صلاح الدين النصارى عن سواحل مصر والشام وشرق المتوسط ويتكفل المنصور بغرب المتوسط ويشتركان فيما بقي منه ليصير المتوسط: إسلاميا خالصا من أي شائبة نصرانية، فاعتذر المنصور بانشغال أسطوله وانشغال دولته آنذاك بنجدة الأندلسيين وصد نصارى الشمال وهو الدور التاريخي الذي لعبه المغرب بكتله الثلاث من لدن فتحت الأندلس وكان جل الجيش الفاتح من البربر، إلى زمن يوسف بن تاشفين ودولته المرابطية إلى زمن عبد المؤمن ودولته الموحدية إلى زمن بني مرين آخر من عبر إلى الأندلس برسم الجهاد نصرة لدين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما استغاثه بنو الأحمر ملوك غرناطة، ولم يتخل المغرب عن دوره بعد ذلك وإن تقلص باستضافته المسلمين النازحين من الجزيرة الأندلسية المفقودة بعد زوال دولة الإسلام الزاهرة منها وهو دور يجعل النصارى في شمال المتوسط يرتجفون خوفا من أن يستعيد المسلمون في جنوب المتوسط شيئا من سالف مجدهم.

والشاهد أن لك أن تقارن بين همم ملوك ذلك الزمان وهمم ملوك زماننا في تجييش جماهير المسلمين لسفك الدماء في الشهر الحرام، ولو كان مكانهم ذو عقل ينظر للمصلحة العامة لا لمصلحته الشخصية مما سيعود عليه من مكاسب سياسية ولو بإراقة دماء المسلمين لطالب بإلغاء المبارة، وهو أمر كانت "الفيفا" تميل إليه وكادت تقرره لولا أن قدر الله تدخلا من جهات سياسية عليا أصرت على إقامة المباراة في ظل هذه الأجواء المشتعلة لتقع الفتنة التي قد خطط لاستغلالها سلفا، فشحن سابق، ثم استغلال تال لآثارها التي نرى طرفا منها بل أطرافا إلى الآن حتى أفردت الفضائيات سلاسل لمناقشة هذه الفضيحة، ولك أن تقارن بين خطاب الملكين العظيمين، ومن قرأ طرفا من سيرتهما عرف عظمتهما إذ لا يمكن الله، عز وجل ـ ذلك التمكين الذي مكناه لخسيس دني الهمة، لك أن تقارن بينه من جهة علو شأنه ورقي لفظه وبين الخطاب الإعلامي المتداول الآن الذي بلغ حدا كبيرا من السفالة وقلة الأدب فرعا عن قلة الديانة، وكما تكونوا يول عليكم، فلو علم الله في قلوبنا خيرا لولى علينا ناصرا ومنصورا آخرين، ولكنه اطلع على قلوبنا فعلم، تبارك وتعالى، من نستحقه من المتملكة برسم القهر.

وقد طلبت الجامعة العربية من الرئيس الليبي أن يتدخل للوساطة، والإشكال، كما تقدم، أن محل النزاع قد دق فلم يعد ظاهرا مع توالي الاتهامات وإصرار الساسة في كلا البلدين على تحقيق نصر سياسي وهمي أمام الجماهير فضلا عن إلهاء المسلمين، كما تقدم، عن مشاكلهم الدينية والدنيوية الرئيسة، وكلا البلدين يعاني تقريبا من نفس المشاكل كما ذكر أحد الفضلاء على موقع مفكرة الإسلام: فتنة في الدين بالتنصير كما هو جار عندنا في مصر من الكنيسة الأرثوذكسية، وكما هو جار من الكنيسة البروتستانتية في منطقة القبائل استغلالا للمشاحنات بين المسلمين من البربر والعرب هناك، وبالمد الفارسي المذهبي، وإن كانت مصر تعاني منه أكثر لقربها دائرة الصراع ولم تسلم منه الجزائر حتى اضطرت وزراة التربية والتعليم هناك إلى نقل بعض المدرسين الذين انتحلوا تلك النحلة وهم قليل ولله الحمد إلى وظائف إدارية لئلا يلوثوا أفكار الناشئة السنية في الجزائر بتلك الشبهات وإن شئت الدقة فقل القاذورات الفكرية.

وفتنة في الدنيا: من فقر وبطالة وانحلال أخلاقي وارتفاع لمستويات الجريمة، فالمجتمعان تقريبا على نفس الحد، ولذلك سهل على من حرك الفتنة أن يحركها بنفس الكيف: شحن لشباب باطل عاطل، في كلا البلدين، لم يجد من يدله على خير من دين أو ييسر له سبب دنيا نافعة بل قد وجد من يسرق قوته ويقهر أي إرادة خير فيه بمحاربة مظاهر التدين ومطاردة العلماء والتضييق عليهم، ثم إرسال له ليسفك الدم في الشهر الحرام برسم الانتصار لكرامة الوطن التي قد داسها الأعداء، ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم!، ولا زالت فصول الثأر مستمرة بانتظار أول مقابلة رياضية!.

فكل ذلك لا يهم، وإنما المهم: التأهل إلى كأس العالم!.

ولعل الرئيس الليبي يطلب المساعدة من "بلاتر" رئيس دولة الفيفا ليبعث له فريقا من الخبراء الرياضيين في أحداث الشغب، وربما بعث له حكاما ليعاينوا مسرح الجريمة.

ومع رفض كل الاعتراف بأي تجاوز من أي نوع، ومع إنكار الإخوة في السودان وقوع أي تقصير منهم من أي نوع أيضا. ومع التصعيد الإعلامي والشحن الذي شاهدت أثرا منه في المستقلة أمس تصبح أي مساع للصلح الآن: تبديدا للوقت بلا طائل، فلينتظر المسلمون في البلدين فترة قصرت أو طالت ليراجعوا الأمر من جديد ولينظروا هل: الاتحاد برسم دين محمد صلى الله عليه وعلى وآله وسلم خير أو الاتحاد على كرة: "كاوتش" كما يقال عندنا في مصر.

وخير لهم الآن، وهو ما جعلني أغار على وقتي فشغلت نفسي بعد دقائق من سماع ذلك البرنامج بعمل مفيد استغلالا للوقت الذي لن يعود ثانية، خير لهم أن يستعدوا ليوم عرفة غدا إن شاء الله، وأن يتناسوا تلك المهزلة لعل الله، عز وجل، أن ينسيهم إياها.

وإلى الله المشتكى.

وعذرا على هذا الاستطراد وإنما هو ضيق أصابني فأردت أن أبثه دون تجاوز في لفظ أو إساءة أدب ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فإن وقع شيء منه فعذرا إذ ما أردته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير