تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وكذلك سائر أعداء الأنبياء من المجرمين شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به على دينهم المخالف لدين الرسول ويموهون في ذلك بما يلفقونه من منقول ومعقول كان ذلك من أسباب ظهور الإيمان الذي وعد الله تعالى بظهوره على الدين كله بالبيان والحجة والبرهان ثم بالسيف واليد والسنان.

قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} وذلك بما يقيمه الله تبارك وتعالى من الآيات والدلائل التي يطهر بها الحق من الباطل والخالي من العاطل والهدى من الضلال والصدق من المحال والغي من الرشاد والصلاح من الفساد والخطأ من السداد وهذا كالمحنة للرجال التي تميز بين الخبيث والطيب قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، وقال تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.

والفتنة هي الامتحان والاختبار كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} أي امتحانك واختبارك تضل بها من خالف الرسل وتهدي بها من اتبعهم والفتنة للإنسان كفتنة الذهب إذا أدخل كير الامتحان فإنها تميز جيده من رديئه فالحق كالذهب الخالص كلما امتحن ازداد جودة والباطل كالمغشوش المضيء إذا امتحن ظهر فساده.

فالدين الحق كلما نظر فيه الناظر وناظر عنه المناظر ظهرت له البراهين وقوي به اليقين وازداد به إيمان المؤمنين وأشرق نوره في صدور العالمين والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل ورام أن يقيم عوده المائل أقام الله تبارك وتعالى من يقدف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق وتبين أن صاحبه الأحمق كاذب مائق". اهـ

"الجواب الصحيح"، (1/ 62، 63).

فـ: "إياك نعبد": بمقتضى ما سننت من الأحكام الكونية والشرعية، فيبذل السبب توسلا إلى مسبَّبه على حد الديانة، فتحصل الفائدة والأجر معا، وذلك مما انفرد به أهل الإيمان عن أهل الكفران الذين ينظرون إلى جانب الحكمة دون التفات إلى جانب القدرة، فيستنبطون قوى الأسباب الكونية دون التفات إلى الأسباب الشرعية فحظهم اللذة العاجلة وذلك أيضا من عدله، عز وجل، في إعطاء كل مجتهد نصيبه، فمن اجتهد في الكونيات فله منها نصيب، ومن اجتهد في الشرعيات فله منها نصيب، ومن اجتهد في كليهما إصلاحا للدنيا والدين فله أعظم النصيب، ولن يكون ذلك إلا في ظلال النبوة الهادية فهي التي تسير أمر الكون وفق الناموس الإلهي الكامل، فيرضي العبد ربه، عز وجل، فذاك صلاح آجله، وتستقيم له دنياه وإن ضيق عليه حينا تمحيصا وابتلاء لمكنون الصدور، فذاك صلاح عاجله.

و: "إياك نستعين": بقدرتك النافذة فلن نحصل سببا من دين أو دنيا إلا بإعانتك، بخلق القوى الفاعلة وتيسير الأسباب الموصلة إلى المراد الشرعي أو الكوني.

فحقيقة التوحيد كما يقول ذلك الفاضل: ألا يغفل العبد جانب القدرة فيلتفت بالكلية إلى جانب الحكمة بمباشرة الأسباب على حد الغلو في تحصيلها والركون إليها والانشغال بها عن خالقها ومجريها، عز وجل، فذلك حال نفاة القدر في الشرعيات، وهو حال المجتمعات العلمانية البراجماتية التي صار الأمر عندها: أرقاما وحسابات، دون التفات للقوى الغيبية فقد كفرت بها بلسان المقال أو الحال. فالمعبود فيها هو: المصلحة العاجلة، على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "تَعِسَ عبد الدينار وعبد الدِّرْهَم وعبد الخَميصة، إن أُعْطِيَ رضي، وإن لم يُعْطَ سَخِط، تَعس وانتكَسَ، وإذا شيك فلا انْتَقَش"، فلها تعقد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير