تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الباب: مجملات لا تشفي غليلا، مع اضطرابها في إدراك الحسن والقبيح على حد التفصيل فمعرفتها بهما معرفة عناوين لا تفاصيل، فالتفاصيل لا تكون إلا في بيان النبوات الوافي، فصار اتباع النبوات طريقا لتحقيق ذلك الرضا الواجب الذي هو من كمال الإيمان الواجب فمن ترك منه شعبة فقد صار أهلا للوعيد بل من شعبه ما إذا تركه المكلف فإن عقد إيمانه ينتقض، وما ظنك برجل يحب ما أبغض الله، عز وجل، مع علمه بأنه مما يكرهه، جل وعلا، فليس جاهلا أو متأولا، بل قد حصل عنده العلم اليقيني بكونه مكروها على حد التحريم الاصطلاحي، وهو مع ذلك يحبه بقلبه أو يباشره مسرورا بمخالفة أمر الرب، جل وعلا، على حد الاستحلال، لا غلبة الهوى، فإنه لا يتصور عاصٍ يعصي على وجه الاختيار دون أن يجد لذة أو سرورا ولو مؤقتا في معصيته فلا بد أن يظهر له فيها وجه مصلحة، ولو جزئي، ليرتكبها، أو هي مفسدة خالصة قد صيرها قياسه الفاسد مصلحة معتبرة!، فذلك غير المستحل للمعصية وإن لم يباشر، فضلا عن وجود أعمال يكفر فاعلها وإن لم يستحل كسائر النواقض الصريحة من سب لله، عز وجل، أو سب لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ لا يتصور بقاء تعظيم للرب، جل وعلا، في قلب فاعلها، فتصور بقاء الإيمان مع صدورها أمر غير متصور إذ الظاهر، كما تقدم، في أكثر من موضع سابق، مرآة الباطن فلا يمكن أن يكون الباطن سليما نقيا كامل الحال ثم لا ينضح من كماله على الظاهر ما يجد الإنسان أثره من حسن الأقوال وصلاح الأعمال، فليست مجرد المعرفة بمنجية فقد كان إبليس عارفا بل من سادات العارفين!، ولم تنفعه معرفته شيئا إذ قد كفر إباء واستكبارا، ولا يكفي التصديق بلا إذعان وإقرار لا ينفك عنه عمل القلب فإن حركة الباطن بأجناس العلوم النافعة والإرادات الصالحة مئنة من حياته، وكلما كانت مادة الحياة أجود وأوفر كلما قوي القلب، فظهر أثر قوته في قوى الظاهر، والعكس صحيح، فضعفه مظنة ضعف الظاهر فينزل صاحبه من رتبة الإيمان المطلق إلى رتبة مطلق الإيمان، فرتبة الفاسق الملي ذي العصيان، كما نظمه بعض أهل العلم، فلم يرتكب الفسوق الأكبر ليخرج عن آخر دوائر الإيمان فمعه الأصل المنجي من الخلود في النيران دون القدر اللازم للنجاة منها ودخول الجنان ابتداء، فإذا ما نقض هذا الأصل بعقد قلب يخالف عقد الإسلام، أو قول لسان ينقضه نقضا بلا شبهة جهل أو تأويل أو إكراه، أو فعل جارحة على ذات الوصف، إذا ما نقضه بشيء مما تقدم: صار خارج عن دائرة الإيمان داخلا في دائرة الكفران، وتركيب الإنسان من روح وجسد يظهر فيه، من آيات القدرة الربانية في ذلك الامتزاج والتلازم بين الظاهر والباطن ما يجعل العاقل يحكم باستحالة مخالفة الظاهر الاختياري للباطن، فقد يكره الإنسان على قول أو فعل فيحمل عليه جبرا، ويقع منه قهرا، ولكنه لا يوقع الفعل الاختياري إلا فرعا عن رضا باطني فذلك أول منازل الفعل إذ الهم أول مراتب الإرادة كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "العبودية" بقوله: "والهم أول الإرادة فالإنسان له إرادة دائما وكل إرادة فلا بد لها من مراد تنتهى إليه فلا بد لكل عبد من مراد محبوب هو منتهى حبه وإرادته فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبه وإرادته بل استكبر عن ذلك فلا بد أن له مرادا محبوبا يستعبده غير الله فيكون عبدا لذلك المراد المحبوب إما المال والجاه وإما الصور وإما ما يتخذه إلها من دون الله كالشمس والقمر والكواكب والأوثان وقبور الأنبياء والصالحين أو من الملائكة والأنبياء الذين يتخذهم أربابا أو غير ذلك مما عبد من دون الله".

فلما لم يرض بالله، عز وجل، الذي له الكمال المطلق ربا جال قلبه في أودية الضلال فاتخذ له إلها من هواه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير