تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم نمت مرة أخرى وبدأ النعاس يداعب أجفاني، وإذ بالجندي يركل باب زنزانتي ركلا شديدا بأشد ما يمكن ويتكلم بلهجة شديدة ويصرخ: لماذا تضع المعجون مكان فرشاة الأسنان؟ ويتهمني بأنني أخالف القوانين واللوائح العسكرية ويطلب مني جمع أغراضي، وتستمر العقوبة أسبوعا كاملا

!!!.

فقلت في نفسي: لماذا أعاقب؟

وهل هذا سبب كافٍ لكي أعاقب بتجريدي من جميع أغراضي وأظل أتقلب ليلا ونهارا على الحديد دون فراش ولا غطاء

!!

*************

ذات مرة كنت أتناول وجبة الغداء، وهي عبارة عن وجبة معلبة باردة. وبعد الانتهاء من الطعام جاء الجندي ليجمع بقايا ونفايات الطعام وأكياس الوجبة المغلفة بها. جلس الجندي عند زنزانتي وبدأ يعد أكياس الوجبة ويلصق الجزء المقطوع من الكيس بالجزء الآخر، ثم صرخ في وجهي: أين بقية الجزء المقطوع من الكيس؟ فأخذت أبحث عنه في أغراضي فلم أجد شيئا. حينذاك اتصل بالإدارة وجاء الجواب بأنه لابد من عقوبة صارمة على السجين حتى يكون عبرة للآخرين، فسحبت جميع أغراضي مدة ثلاثة أيام

وكنت أفكر لماذا أعاقب وماذا عساني أستطيع أن أفعل بهذا الجزء المقطوع من البلاستيك؟

*************

جمعت الأقدار يوما بيني وبين جمال اليوغندي ومحمد التشادي وجمال بلاما البريطاني في عنبر واحد، وكنا بجوار بعضنا البعض حيث توافقنا في الزي البرتقالي البغيض ولون البشرة السوداء.

وكان لون بشرتنا السوداء سببا كافيا يجعل الجنود البيض يتحرشون بنا ويستفزوننا ويهيلون علينا العقوبات، تارة بسبب وتارة بدون سبب

كانوا دائما يوقظوننا من النوم بحجة تفتيش الزنزانة، وأذكر أنهم في إحدى الليالي طلبوا مني أن أستيقظ للتفتيش، وعندما دخلوا ولم يجدوا شيئا سجلوا علي عقوبة مدة سبعة أيام لأنهم وجدوا ثلاث حبات أرز على الأرض قد تجمع عليها النمل

فقلت في نفسي: لماذا أعاقب؟

لم يكن في الحسبان أن يكون هذا سبب العقوبة

!!!

*************

وفي إحدى الليالي وقف أمام زنزانتي جنديان وفي أيديهما سلاسل وقيود وصرخوا وركلوا الباب بشدة حتى قمت من النوم مفزوعا وقيدوني، ثم قاموا باقتيادي من عنبري أي عنبر "روميو"، حيث وضعوني داخل قفص بعد أن جردوني من كل ملابسي باستثناء القميص والسروال القصير فقط. لا حذاء ولا صابون ولا فرشة ولا شيء

....

عندما سألت عن سبب العقوبة لم أجد جوابا حتى الغد عندما جاء المسؤول بعد إلحاح وأخبرني أني معاقب مدة أسبوعين لأن أحد الجنود قد وجد في النافذة الخارجية لزنزانتي مسمارا من الحديد

فقلت للمسؤول: أنى لي بمسمار من الحديد؟ ومن أين آتي به؟ وكيف لي أن أضعه على نافذتي من الخارج؟! ولم؟ غير أنه ولى هاربا لا يلقي لكلامي بالا. وظللت أسبوعين جالسا بسبب السروال القصير الذي لا أستطيع الركوع به وإلا انكشفت سوءتي ونمت على الحديد أربع عشرة ليلة من ليالي الشتاء البارد

*************

لماذا أنا هنا؟

هل ذهابي إلى أفغانستان مدة لا تتجاوز أربعة أسابيع وحملي لكاميرا الجزيرة إثر الحرب الإرهابية ضد الشعب الأفغاني الأعزل جريمة أعاقب عليها بالسجن مدة تزيد عن أربع سنوات؟

تحرشات الجنود لا تنتهي وتتنوع وتتشكل من وقت لآخر، وأذكر أنهم في أحد الأيام أخبرونا بأن أحد الجنود وضع رجله على القرآن الكريم حتى طبع حذاؤه على كلام الله عز وجل، فثار المعتقلون لدينهم وقرروا أن يعيدوا المصاحف إلى الإدارة الأميركية حتى لا تهان أمام أعيننا، خاصة وقد تعهد الجنرال في المرة السابقة بأن هذه التحرشات لن تتكرر مرة أخرى ثم نكثوا بعهدهم كالمعتاد

إثر ذلك قرر المعتقلون عدم الخروج من الزنزانة بتاتا حتى للمشي والاستحمام اللذين هم في أمس الحاجة إليهما، حتى تجمع المصاحف

كالعادة، جاء المسؤولون يتوعدون ويهددون المعتقلين ولم تمض إلا دقائق معدودة حتى جاءت قوات الشغب البواسل تقتحم على المعتقلين زنازينهم وتقوم بضربهم وربطهم بالسلاسل والقيود، ثم يحلقون لحاهم وشواربهم ورؤوسهم، ثم يرمونههم في الزنزانات الانفرادية

كأحد المعتقلين جاء دوري. وقاموا بداية برش مادة كيماوية في عيني ثم أدخلوا خمسة جنود وقاموا بضربي ثم أخذوني إلى مكان المشي وهناك طرحوني أرضا وأمسك أحدهم برأسي وضربه في الأرضية الخرسانية فشجه، وضربني أخرى فجرح جفني وغطى الدم وجهي وأنا موثق بالسلاسل والقيود. وعلى هذه الوضعية قاموا بحلق رأسي ولحيتي وشاربي ثم أودعوني في الانفرادية وتركوني أسبح بدمي

وبعد ساعة جاءني أحد الجنود يسألني من النافذة هل تريد العيادة الطبية؟ فرفضت وظللت أدعو الله عز وجل وأتضرع إليه وأشكوه ظلمهم، وحين شعرت بأنني على وشك أن أفقد وعيي من شدة النزيف طلبت العيادة فجاؤوا، ومن خلال فتحة الطعام التي لا تتعدى ثلاث بوصات في عشر بوصات خيط جفني بثلاث غرز ثم ربط لي رأسي وأعطاني حبوبا مخدرة زاعما أنها مضادات حيوية فنمت من شدة القهر

وعندما فتحت عيني في اليوم الثاني

عدت أتساءل: لماذا أعاقب؟

*************

نعم .. لماذا أعاقب؟؟

وهل الذود والدفاع عن الدين جريمة يعاقب عليها السجين؟

وهل مطالبتنا بإرجاع المصاحف للإدارة الأميركية حتى لا تهان أمام أعيننا جريمة؟!. ولماذا أنا هنا؟ هل ذهابي إلى أفغانستان مدة لا تتجاوز أربعة أسابيع وحملي لكاميرا الجزيرة إثر الحرب الإرهابية ضد الشعب الأفغاني الأعزل جريمة أعاقب عليها بالسجن مدة تزيد عن أربع سنوات؟ وخاتمة المطاف أتهم بالإرهاب؟

*************

أسئلة كثيرة تدور وتدور في خاطري كما تدور الرحى فتطعن في حقيقة الشعارات البراقة التي يتشدق بها دعاة الحرية ورعاة السلام وحماة الديمقراطية في جميع أنحاء المعمورة

*************

سامي محيي الدين الحاج

معتقل غوانتانامو- كوبا

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير