تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الحوار في الاسلام]

ـ[السدوسي]ــــــــ[08 - 11 - 2006, 08:22 ص]ـ

[الحوار في الاسلام]

عن حذيفة قال:

: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه قال فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا. فقال (لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين). فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (قم يا أبا عبيدة بن الجراح). فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا أمين هذه الأمة) متفق عليه

الحوار: من المُحاورة؛ وهي المُراجعة في الكلام.

والغاية من الحوار إقامةُ الحجة، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي، والإسلام دين حوار يقول الله تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُو أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ويقول أيضا (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي أحسن) وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحاور ويجادل أهل الكتاب من اليهود والنصارى. فقد حاور نصارى نجران وحاور اليهود في المدينة الذين كانوا يطرحون عليه أسئلة عن الروح وأهل الكهف وأمور أخرى فيجيبهم على كل ذلك بما يوحى إليه من الله، ولم يروى عنه انه طردهم من مجلسه أو رفض محاورتهم، وكان الحوار هو السائد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كانوا يسألونه قبل الإدلاء بآرائهم (يا رسول الله أهو الوحي أم الرأي والمشورة) فان قال انه الوحي ابدوا السمع والطاعة وسلموا بذلك، أما إذا قال لهم انه الرأي والمشورة فإنهم يحاورون ويجتهدون ويختلفون معه وفي كثير من الحالات يتخلى عن رأيه ويأخذ برأيهم، كما حدث في اختيار موقع القتال في بدر وأحد. وها هو صلى الله عليه وسلم يطالب أصحابه بإفساح المجال لصاحب الرأي إبداء رأيه (دعوه فان لصاحب الحق مقالا) رواه البخاري، بل إن المسلم مطالب بان يكون له رأي مستقل يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وان ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم أن أحسن الناس أن تحسنوا، وان أساءوا فلا تظلموا) الترمذي، وقد منح الإسلام المرأة الحق في إبداء رأيها بالزواج، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر) متفق عليه، وقد أرشدنا الله إلى اتباع اللين والأدب واللياقة في الحوار وإبداء الرأي لان ذلك أحرى بتحقيق المراد، قال الله واصفا لين وبشاشة الرسول (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) وقال تعالى آمرا موسى وهارون باللين عندما أرسلهما إلى فرعون (اذهبا إلى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) وقال ناهيا عن التشهير والتجريح (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) استمر الحوار سائدا بين الحكام والمحكومين في عهد الخلفاء الراشدين ومن تلاهم من الخلفاء الصالحين، قال الفاروق عن كلمة الحق (لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها)، فكانت الأمة بخير ومنعه واستمرت كذلك إلى أن جاء من لا يطيق الحوار وسماع الرأي الآخر وأحاط نفسه بالممجدين الذين لا يتقنون إلا هز الرؤوس مما جر على الأمة الهزائم والكوارث والويلات.

إن الحوار والانفتاح على الآخرين هو لب الدعوة الإسلامية، حيث إن دعوة غير المسلمين للإسلام تحمل في طياتها المحبة لهم والحرص على هدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور و النفوس إذا تجرَّدت من أهوائها، وجدَّت في تَلَمُّس الحقِّ فإنها مَهْديَّةٌ إليه؛ بل إنّ في فطرتها ما يهديها، وتأمَّل ذلك في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم:30).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير