لقد آنَ لكهفِ "الرجيبِ" أنْ ينطقَ أنَّهُ ليسَ كهفَ أهلِ الكهفِ
ـ[عطية زاهدة]ــــــــ[11 - 11 - 2006, 02:35 م]ـ
لا بدَّ لكهف الرجيب أنْ يرتحل
عطية زاهدة – الخليل
أهل الكهف
نزلتْ سورةُ الكهفِ بقصّةِ الفتيةِ النوّامِ: "أَمْ حَسِبْتَ أنَّ أَصْحبَ الكهفِ والرقيمِ كانُوا مِنْ ءايتِنا عَجَباً (9) إذْ أَوَى الفِتْيَةُ إلى الكَهْفِ فَقالُوا: رَبَّنا ءاتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلى ءاذانِهِمْ في الكهفِ سِنيَن عَدَداً (11) ثُمَّ بعثْنهُمْ لِنَعْلَمَ أيُّ الِحزْبيْنِ أحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) ".
وأصبحَ المسلمونَ في شوقٍ إلى معرفةِ موضعِ الكهفِ، وحقيقةِ الرَّقيمِ. فَمِنْهُمْ مَنْ أخذَ يُقَلِّبُ الأَسْفارَ لَعَلَّ أَوْراقَها تُجِيبُ فَيَظْفَرَ بِضالَّتِهِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ أخذَ يجوبُ الأقْطارَ، يُسائِلُ آفاقَها عَنْ فتيةٍ جُثَثٍ، ونقودٍ فِضَّةٍ، والكهفِ المَرْقَدِ، والبُنْيانِ الذي عليهِم، والمسجدِ.
فندق الرشاد
أجلْ، قرَأَ في الأسفارِ مَنْ قرأَ، فدارتِ الأقوالُ بالفتيةِ مِنْ أهلِ التوراةِ إلى أهلِ الإنجيلِ. وضربَ في الأرضِ مَنْ ضربَ، فسافرتِ الآراءُ بالكهفِ في أقطارٍ مِنَ العالَمِ وأقطارٍ، فصارَ في حقيبتِهِ تذاكرُ سفرٍ، وتذاكرُ ارتحالٍ، وامتلأَ جوازُ سفرِهِ بأختامِ الحدودِ، وتواقيعِ الجنودِ، حتى جازَ أنْ نُسَمِّيَهُ: الكهفَ الطيّارَ، الكهفَ الجوّالَ، الكهفَ الطوّافَ، الكهفَ الرّحّالَ، والكهفَ السندبادَ.
وعَبْرَ القرونِ رحلَ قومٌ بكهفِ الفتيةِ، فندقِ الرشادِ، مِنَ اليمنِ إلى الموصلِ، قربَ نينَوى بالعراقِ، ومِنْ ثَمَّ إلى جبلِ قاسْيونَ في ظاهرِ دمَشْقَ بالشامِ. ونقلَهُ أُناسٌ إلى الأَنْدَلُسِ، وفي الأندلسِ حملَهُ فريقٌ مِنْ لوشةَ إلى طُلَيْطِلَةَ، ومِنْ طليطلةَ إلى جنانِ الوردِ. وسافرَ بِهِ آخَرونَ في رحلةٍ داخليةٍ بِتُرْكِيّا مِنْ أفِسُوسَ إلى عَربِسُوسَ. وَحَرَّكَهُ نفرٌ مِنْ نَخْجَوَانَ بالقَفْقَازِ، إلى بريطانيا مُحْتارينَ بِهِ بينَ الكنائسِ .. ورافقتْهُ الجماعةُ الأحمديّةُ مِنْ إسكندنافيا – حيثُ الدِنِمارْكُ والسِّويدُ – إلى روما في جِوارِ بابا الفاتيكانِ حيثُ سراديبُ وكهوفُ "الكيتا كومز". وقدْ منحهُ البعضُ جنسيَّةَ الباكستانِ. وذهبَ بِهِ حزبٌ إلى "سحابَ"، إلى الرجيبِ، قربَ عمَّانَ عاصمةِ الأُرْدُنِّ.
ما للرجيب والكهف؟
ونظراً إلى ما لَقِيَهُ القولُ بالرجيبِ، موضعاً لكهفِ أهل الكهف، مِنَ الاهتمامِ والترويجِ الإعلاميِّ، فإنَّهُ لا بدَّ منَ التذكيرِ بِبُطْلانِهِ. ولا ريْبَ أنَّ الكتابَ الذي يحاولُ تمريرَ ذلكَ الرأيِ، يُوَفِّرُ المصدرَ الأفضلَ لاستخراجِ أدِلَّةِ الدَّحْضِ والتفنيدِ.
لقدْ تناقلتِ التفاسيرُ، ربَّما مِنْ عهدِ الخلفاءِ الراشدينَ، أنَّ في "الرجيبِ" - قربَ عمّانَ عاصمةِ الأردن - غاراً ظَنَّهُ بعضُ المسلمينَ كهفَ "أهلِ الكهفِ". و بَدْءاً مِنْ عامِ 1953 م، قامَ المرحومُ الأُستاذُ "محمد تيسير ظبيان"، بإحياءِ هذا الرأيِ متَوَّهِماً، أَوْ موهِماً الناسَ، كأنَّهُ أولُ مَنْ قالَ بِهِ، وأنَّهُ صاحبُ أهمِّ اكتشافٍ أثريٍّ وتاريخيٍّ في القرنِ العشرينَ. وذلكَ كما جاءَ على غلافِ كتابٍ ألَّفَهُ معنوناً لهُ بهذا العنوانِ الفخيم: "مَوقِعُ أصْحابِ الكهفِ وظهورُ المعجزةِ القرآنيّةِ الكُبرى". وقدْ نشرتْهُ له دارُ الاعتصامِ في العامِ 1978م.
حقّاً، لم يكنْ ما جاءَ بِه المرحومُ ظُبيانُ اكتشافاً، بلْ وإنَّ كتابَهُ نفسَهُ كافٍ تماماً ليثبتَ أن "الرجيبَ"، ليستْ موضعَ كهفِ أهلِ الكهفِ. ونكتفي بعددٍ مِنَ التذكيراتِ ندْحَضُ بِها ما حسبَهُ البعضُ مِنْ صحةِ قولِ المرحومِ ظِبيانَ.
من الرقيم إلى الرجيب
ظنَّ المرحومُ "ظبيانُ" أنَّ "الرقيمَ" هي أصلُ "الرجيبِ"، أيْ: إنَّ القافَ انقلبت إلى جيمٍ، وأنَّ الميمَ انقلبت إلى باءٍ. ومِنَ العجيبِ أنَّ ظنَّ ظبيانَ بِهذيْنِ الانقلابيْنِ ما هوَ إلاّ ظنٌّ قدِ استوردَهُ مِنْ عندِ المستشرقِ الفرنسيِّ "كليرمونت جانو" الذي زارَ الرجيبَ عامَ 1868م، وأشارَ إلى أنَّ فيها كهفاً ظَنَّهُ المسلمونَ كهفَ أهلِ الكهفِ (ص50).
فأينَ "الرجيبُ" مِنَ "الرقيمِ"؟!
¥