مع ما يدركه الناظر في هذا الكتاب، من الوهلة الأولى، من سيما الضعف وعلامات التهافت فيه، وفيما يدعو إليه، فمن الواجب أن يدرس دراسة شاملة له تأتي على جوانبه المختلفة، كمصدره، وموضوعاته التي يعالجها، ومضمونه الذي يدعو إليه، قياما بالحجة ودفاعا عن كتاب الله، ولكي تستبين سبيل المجرمين.
ويمكن أن تقوم دراسة الكتاب وبيان ما فيه من ضلال على محورين اثنين:
أولهما: النقد العام للكتاب، كالكلام عن مصدره، ونبيه الذي جاء به، ومعارضته لما علم من دين النصارى، ونحو ذلك، مما سأشير إليه قريبا بإذن الله تعالى.
ثانيهما: النقد التفصيلي، وهو النقد الذي يوجه إلى الكتاب تفصيلا، وذلك باستعراض الكتاب كاملا، وبيان ما فيه من ضلال على التفصيل، وهذا مما يطول بمثله المقام هنا، ولفضيلة الدكتور صلاح الخالدي كتاب صدر في عام 1426هـ، باسم: الانتصار للقرآن، تهافت فرقان متنبئ الأمريكان أمام حقائق القرآن" اعتنى فيه بهذه الناحية التفصيلية.
وفيما يلي إشارات مختصرة إلى عدد من الجوانب العامة التي يمكن الطعن في الكتاب من خلالها:
* إن أول ما يجب أن يتوجه له في بيان ضلال هذا الكتب، بيان ما في الملة التي يدعو إليها من تهافت وتعارض وتبديل، وهذا مجال واسع وميدان كبير، ولم يزل أهل الإسلام على مر التاريخ يقيمون الحجج والبراهين على ضلال هذه الملة وتبديل أهلها، ولو لم يكن في ذلك إلا نقض أصل عقيدة التثليث، وفكرة الصلب التي تقوم عليها النصرانية المحرفة لكفى.
* ثم إن رد الطعون والشبه التي أثارها هذا الكتاب على الإسلام وشرائعه، جانب آخر، يُؤكد به بطلان ذلك الكتاب وتهافته، وقد سبقت الإشارة إلى أن تلك الشبه قد أثارها المستشرقون قديما وأجاب على أكثرها الدارسون والباحثون.
* يُزعم في هذا الكتاب أنه وحي من الله تعالى، نزل على نبي يقال له: الصفي ـ كما تقدم ـ غير أن لا شيء يعرف عن هذا النبي، لا عن سيرته ولا دعوته ولا جهاده، فلا يعرف من هو؟ ولا إلى من ينتمي؟ ولا أين ظهر؟ ولا متى كان ظهوره؟ كل ما هنالك أن هذا الوحي نزل في سبعة أيام كما جاء في الكتاب نفسه: " واصطفيناه وشرحنا صدره للإيمان وجعلنا له عينا تبصر وأذنا تسمع وقلبا يعقل، ولسانا ينطق، وأوحينا إليه بالفرقان الحق، فخطه في سبعة أيام وسبع ليال جليدا" (الشهيد:2،ص:360 - 361) ومبالغة في الإيهام والتلبيس على الناس يقتل هذا " الصفي " على يد أعدائه المسلمين كما جاء في الكتاب "لقد طوعت لكم أنفسكم قتل صفينا شاهدين على أنفسكم بالكفر، أفتقتلون نفسا زكية، وتطمعون برحمتنا وأنتم المجرمون، لا جرم أنكم في الدنيا والآخرة أنتم الأخسرون، وختمتم بدمه آية تكوى بها جباهكم وتشهد عليكم بأنكم كفرة مجرمون، وأنه الصفي الأمين، وأن الفرقان الحق هو كلمتنا وهو الحق اليقين، ولو كره الكافرون " (الشهيد: 7، ص: 363)، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن هذا النبي، الذي خرج وبعث، فلم يسمع به أحد، ثم قتل ولم يدر به بشر، هذا كله في هذا الوقت الذي تقارب فيه العالم، وتطورت فيه وسائل الاتصال وتقنيات التواصل بين البشر، فلو وقعت أدنى الحوادث وأقلها؛ لتسامع بها العالم، وتنادى بها البشر.
-حقيقة- هذا الكتاب ومن زعم أنه جاء به مثل الزنيم، لا يعرف له أصل ولا منبت، كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
* وأمر آخر يدل على تناقض من وضع هذا الكتاب مع اعتقاد النصارى، ووجه ذلك: أنا نعلم أن النصارى بملتهم المحرفة لا يؤمنون بنبي يأتي بعد عيسى عليه السلام، وإنما يؤمنون بعودته مرة أخرى، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يزعمون في هذا الكتاب الداعي إلى ملتهم؛ أنه وحي الله النازل على نبي يقال له: "الصفي".
ومما يثير السخرية أن ذات الكتاب يقرر ـ في معرض تكذيبهم لنبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- أنه لا نبي بعد عيسى عليه السلام، جاء في الكتاب" وما بشرنا بنى إسرائيل برسول يأتى من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن يجدوا له نَسْخا ولا تبديلا إلى يوم يُبْعَثون " (الأنبياء:16) فكيف يدعي واضعو هذا الكتاب بأنه وحي من الله لنبي يقال له الصفي.
¥