- الإعراض: فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النار" قال وأشاح (أي بوجهه) ثم قال: "اتقوا النار"، ثم أعرض وأشاح ثلاثا حتى طننا أنه ينظر إليها (أي النار) ثم قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة؛ فمن لم يجد فبكلمة طيبة" (أخرجه البخاري ومسلم) .. قال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري": "أي حذر من النار كأنه ينظر إليها، أو جدَّ على الوصية باتقائها ... وقيل: صرف وجهه كالخائف".
** ولغة القدوة:
تكون في كل مواقع الحياة، وتأثيرها هائل وعظيم؛ لأن الفطرة (أي النفس) من أهم صفاتها البحث عن الخير والسعادة، فإذا ما وجدت ذلك أمامها مجسدا سهل عليها تقليده وفعل مثله .. وهي أقوى من اللغات السابقة كلها التي قد يحدث لها أحيانا خطأ في فهمها أو تأويلها، أما لغة الأفعال والتصرفات -أي لغة القدوة- فواضحة لا لبس فيها، سهلة لا صعوبة في تنفيذها، لا تحتاج غالبا إلى سؤال أو استفسار أو استنتاج أو تأويل.
لقد تعلم الصحابة الكرام من الرسول -صلى الله عليه وسلم- من خلال القدوة كل الأخلاق التي تسعدهم في دنياهم ثم آخرتهم:
* تعلموا النظافة وطيب الرائحة وحسن المظهر .. كما يقول أنس رضي الله عنه مثلا: " .. ما شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (جزء من حديث أخرجه البخاري).
* تعلموا البسمة والبشاشة .. كما يقول عبد الله بن الحارث رضي الله عنه مثلا: "ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (أخرجه الترمذي).
* تعلموا العمل والإنتاج وإتقانهما .. كما يقول -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه مثلا: "كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة" (جزء من حديث أخرجه البخاري. وقراريط أي دنانير).
* تعلموا التعاون والتكامل .. كما تقول خديجة عنه -صلى الله عليه وسلم- مثلا: "إنك لَتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" (جزء من حديث أخرجه البخاري).
* تعلموا الكرم .. كما يقول أنس رضي الله عنه مثلا: "ما سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر" (أخرجه مسلم).
* تعلموا الوفاء .. من أدائه -صلى الله عليه وسلم- للأمانات عند هجرته حتى لمن آذوه وأخرجوه.
* تعلموا الشجاعة والإقدام .. كما روت السيرة عنهم أنهم كانوا إذا حمي الوطيس في المعركة احتموا برسول الله -صلى الله عليه وسلم.
* تعلموا الحلم والصبر .. حينما جذب أعرابي غليظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه حتى أثرت في عنقه قائلا له بغلظة: " مُرْ لي من مال الله الذي عندك"، فالتفت إليه -صلى الله عليه وسلم- فضحك ثم أمر له بعطاء (أخرجه البخاري ومسلم) ...
وهكذا تعلموا كل الأخلاق، في كل شئون الحياة، فسعدوا وأسعدوا كل من تعامل معهم .. سعدوا وأسعدوا الكون كله.
** ولغة القلوب والمشاعر:
هي لغة الفطرة، هي التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان، وتشعره بالأمان والثقة، وأنهم سيأخذون بيد بعضهم البعض لكل خير؛ لأن الفطرة أصلا كل صفاتها خير (قبل أن تستجيب لوساوس الشيطان بالعقل الذي معها وفوقها يوجهها) وتقبله وتلفظ كل ما هو شر، كما يُفهم ضمنا من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" (أخرجه البخاري ومسلم) .. قال الإمام النووي في كتابه "شرح صحيح مسلم": "قال الخطابي: .. يميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار" ..
** ولغة العمل:
إذ بروح الفريق يمارسون عملا ما، فيتعلمون في أثنائه بعض أخلاق الإسلام كالإحسان والإتقان والتطوير والصبر والتشاور والتفاهم والتعاون وسلامة الصدور من الأحقاد وحفظ اللسان عن كل قول سيئ ونحو ذلك.
وأخيرا .. فهناك بعض اللغات المُسَتحَدثة -أو التي قد تُستحدث مستقبلا- والتي يمكن استخدامها أيضا ويفهمها الجميع، مثل:
- لغة الرياضة: التي يمارسها الجميع على اختلاف ألسنتهم، والتي يمكن من خلالها وبعدها أن يتعلموا أخلاق الجدية والتحاب والنظام ونحوه مما هو من صميم أخلاق الإسلام .. قال الإمام القرطبي: "قال ابن العربي: المسابقة شِرعة في الشريعة وخصلة بديعة .. وقد فعلها -صلى الله عليه وسلم- بنفسه وبخيله، وسابق عائشة رضي الله عنها على قدميه .. ".
- لغة الفنون والموسيقى: الحلال منها المثير للهمم والنخوات لا للفتن والشهوات، وهي أيضا يفهمها الجميع على اختلاف ألسنتهم؛ فهي تجمعهم جميعا على عمل خير أو تجهزهم وتنشط نفوسهم له، ومن خلالها وبعدها يمكن اكتساب كل خير والانطلاق نحوه.
أخي الحبيب ..
مما سبق يتبين أن الدعوة إلى الله والإسلام لا يمكن بأي حال أن يعوقها عائق؛ لأنه إن عجزت الكلمات نطقت القلوب والعيون والإشارات والتصرفات.
ونظن أنه في حالتك عليك استخدام لغات "القدوة والإشارة والعمل"؛ فإنها ستفيد كثيرا بإذن الله في التأثير في زميلتك الروسية؛ لأنها ستحرك عقلها المنصِف، وفطرتها الزكية اللذين وضعهما الخالق في كل بشر ليعرفه ويلجأ إليه ويطلب عونه ليحيا سعيدا بذلك .. مع مراعاة الضوابط الشرعية عند التعامل بين الرجال والنساء كغض البصر وعدم الخلوة والكلام لسبب وفيما يفيد وبجدية معتدلة ..
وإن استطعت أن تقنعها بالالتحاق بمعهد لتعلم اللغة العربية، أو تتعلم أنت الروسية إن أمكن، كما تعلم زيد رضي الله عنه العبرية في أقل من شهر حينما احتاجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليكون مترجما له، فسيكون ذلك خيرا كبيرا ومعينا.
كما يمكنك التواصل مع بعض المراكز والمؤسسات الدعوية التي تعتم بدعوة غير المسلمين؛ ليفيدوك في ذلك، ويمدوك ببعض الكتب والمؤلفات عن الإسلام باللغة الروسية.
وسيكون لك ثواب كل هذا، كما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله" (أخرجه مسلم)؛ حيث الحديث لم يحدد أنَّ الدلالة عليه هي باللسان فقط، وإنما بما هو ممكن ومتاح ومناسب ومقبول ومؤثر.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
¥