وكان يعاصر عبد الملك بن مروان أمير أموي محب للعلم والكتب هو (خالد بن يزيد بن معاوية) وقد كرس حياته للعلم وتشجيع العلماء، حتى إنه تنازل عن الخلافة التي بويع لها بعد وفاة أبيه كي يتفرغ للعلم. وكان خالد أول من أسس مكتبة جامعة في الإسلام، وكانت النموذج الأول للمكتبات العامة الكبرى التي اشتهرت بها العصور الإسلامية الزاهرة. وكان يجلب إلى مكتبته الكتب الأجنبية من الأقطار ويبذل في سبيل ذلك الأموال الطائلة والجهود الكبيرة، وهو أيضًا رائد عصر الترجمة، وقد أمر بدعوة الفلاسفة والعلماء اليونان لينزلوا مصر ويحاطوا بالرعاية والتكريم. وكما يقول ابن النديم في الفهرست "فإن ذلك حببهم في اللغة العربية فتفصحوا فيها ونقلوا الكتب من اليونانية والقبطية إليها".
وكان الأمير نفسه متفانياً في طلب العلم، نابغاً في الطب والفلك، وعلى وجه الخصوص في الكيمياء، التي تعلمها على يد راهب يوناني اسمه (مريانوس).
وكان مريانوس وآخر اسمه اسطفان الاسكندراني من رواد الترجمة في العصر الإسلامي.
وقد بلغت هندسة البناء وما تتطلبه من علوم أخرى كالهندسة النظرية والحساب شأواً كبيراً في العصر الأموي وكان من رجال هذه النهضة الخليفتان عبد الملك وابنه الوليد، ويشهد بذلك الأثران العظيمان قبة الصخرة في بيت المقدس، والمسجد الأموي في دمشق، اللذان جندت لإنشائهما كل الخبرات والمهارات في الإمبراطورية الإسلامية في ذلك الوقت فجاءتا آية في فن المعمار.
المسلمون في العصر العباسي وصلوا إلى تقدم علمي خيالي
وما أن هدأت الثورة العباسية واستقرت الخلافة العباسية حتى واصل العباسيون ما بدأه الأمويون من نهضة علمية بلغت أوجها في عصر هارون الرشيد وابنه المأمون في الفترة من (809 م إلى 842 م). وكانت الدولة العربية الإسلامية في ذلك الوقت قد فاقت في الثروة والمدنية والرفاهية والتقدم العلمي والصناعي كل حدود وصل إليها الرومان والفرس وغيرهم بمراحل كبيرة.
ومن شواهد التقدم التكنولوجي في ذلك الوقت ما بلغته بعض الصناعات من دقة وشهرة. فقد بلغت صناعة الزجاج في سوريا مبلغاً عظيماً وابتدع فيها الزجاج الملون والمطلي بالمينا، وقد دخل ذلك الزجاج لأول مرة أوروبا مع الصليبيين العائدين من المشرق. وكذلك تطورت صناعة الورق في سمرقند فبلغت درجة رفيعة من الدقة والامتياز وظلت سوريا وسمرقند مركزي تصدير هاتين السلعتين للعالم منذ ذلك الوقت لسنين طويلة. وفي صناعة التعدين والمعادن اشتهرت سوريا والبحرين وخراسان ونيسابور والسند وأصفهان وفرغانة من أرجاء الإمبراطورية الواسعة. وكانت سوريا مركزًا لمحاجر الرخام ومناجم الكبريت. كما كانت أصفهان مركزًا لاستخراج خام الأنتيمون وفرغانة مركزًا لمناجم الزئبق واستخراج رواسب القار.
أما الذهب والفضة، اللذان كانت ترفل في زينتهما الإمبراطورية، وتصنع منهما الصحاف والأواني والعملة وترصع بهما السيوف وتوشي الملابس، فكان مركزهما الأكبر في خراسان.
وأما الأحجار الكريمة كالياقوت والفيروز واللازورد فكانت تستخرج من نيسابور.
وقد نشأت في الدولة العباسية نهضة تعليمية لم يعرف مثلها في التاريخ من قبل فقد بلغت أوجها في عصر المأمون، الذي أحدث ثورة في نظام التعليم العام، الذي أنشئت له المدارس الخاضعة لإشراف الدولة، والتي عين لها المدرسون الذين تجري عليهم الرواتب المنتظمة. وقد ظلت هذه المدارس في تطور مستمر منذ تلك الدفعة حتى وصلت في عهد وزير السلاجقة "نظام الملك" في أواخر أيام الدولة العباسية إلى ما اشتهر به من أبهى نظام وأحكمه، وكانت تسمى إذ ذاك بالمدارس النظامية نسبة إلى راعيها الوزير "نظام الملك"، وكان يدرس في تلك المدارس على جانب العلوم الدينية علوم المنطق والحساب والجغرافيا وغيرها.
وأنشئت أيضًا مؤسسات التعليم العالي كالمدرسة العليا للشريعة والقانون ومدرسة العلوم الطبيعة والصناعات وكانت هذه كاملة بقاعاتها ومكتباتها ومعاملها. أما مدارس الطب فكانت ملحقة بالمستشفيات حتى يمكن التطبيق العملي للنظريات الطبيعية والعلمية التي يلقيها الأساتذة على الطلاب. وهذا النظام مازال هو النظام المتبع في التعليم الطبي في العالم كله حتى الآن.
¥