وفي عهد الخليفة العباسي المقتدر وضع أول نظام محكم في العالم لتأهيل الأطباء والصيادلة والكيميائيين فكانت تعتقد لهم في عصره اختبارات الترخيص بمزاولة المهنة حماية للجمهور من الأدعياء. وأول من قام رسمياً بهذه الاختبارات هو (سنان بن ثابت) المتوفى عام 338 هـ. وكانت هذه الشهادة التي يمنحها سنان تشبه دبلومة التخصص التي نراها الآن في كليات الطب. وقد بلغ من أجازهم سنان بن ثابت من الأطباء حوالي 800 طبيب. وسنان هذا هو مبتكر نظام البيرامستانات السيارة والزيارات الطبية وهو ما يسمى الآن بالإسعاف. فكان يوفد الأطباء ومعهم الأغذية والأدوية في حملات لعيادة المرض في السجون والنواحي النائية ولنجدة حالات الطوارئ.
ولم تعرف في العالم دائرة حكومية للصحة قبل العصر العباسي، وكان يرأسها أحد شيوخ الأطباء، يراقب ممارسة المهنة ويختبر الأطباء والصيادلة ويجيزهم ويشرف على الخدمات الصحية.
وقد بنى أول مستشفى دراسي عام في عهد هارون الرشيد، وسرعان ما تلته مستشفيات مثيلة خارج العاصمة، وكان بكل مستشفى عيادة خارجية ومكتبه ووسائل وإمكانيات دراسية لطلاب الطب.
وفي علم الحياة نشط علماء العصر العباسي في تشريح الحيوان والنبات وأجروا عليهم التجارب ودونوا الملاحظات، ومن مشاهيرهم الجاحظ الذي وصف كثيراً من الحيوانات ودرس بيئاتها، وهو موسوعة في عالم الحيوان وكان الجانب التجريبي في كتابه بارزاً إلى جانب ملاحظات قيمة عن فكرة التطور وأثر البيئة.
أما علماء البنات فقد برز منهم الكثير في ذلك الوقت، وذلك لعلاقة علم النبات الوثيقة بالصيدلة والعقاقير ومن مشاهيرهم ابن سينا والديناري. وقد أثر أنه من هؤلاء النباتيين من كان يصطحب معه في أبحاثه الحقلية الرسامين ومعهم الأصباغ إلى البيئات الطبيعية للنباتات يصورونها في أطوار حياتها المختلفة.
طفرة في الرياضيات على يد المسلمين
وفي مجال الرياضيات والفلك تمت انجازات وابتكارات عظيمة ومن بينها علوم جديدة يرجع الفضل في ابتكارها وتطويرها للمسلمين، كعلوم الجبر والهندسة التحليلية، ومن أساطيلهم في هذا المجال محمد بن موسى الخوارزمي المتوفى عام 232هـ، فقد عاش في عصر المأمون وهو أول من أورد الأرقام الهندية التي نستعملها إلى الآن ويستعملها الأوروبيون مع بعض التحوير ويسمونها الأرقام العربية.
ويرجع تطوير علم الحساب في القرون الوسطى إلى الخوارزمي، وقد استقى من كتبه علماء أوروبا لقرون طويلة واشتقوا من اسمه مرادفات لاسم هذا العلم عندهم وهو (جورزم)، وهو أبو علم الجبر إن لم يكن مكتشفه. وأخذ عنه الغرب اسمه فاسموا به العلم الجديد (الجبرا). كما كان الخوارزمي من الرواد في علم الهندسة لكن يرجع الفضل في الإضافات الهامة في علم الهندسة إلى الحسن بن الهيثم والبيروني في أواسط أيام الدولة العباسية.
وقد استخدم ابن الهيثم براعته في الهندسة بنوعيها المستوية والمجسمة في حل مشاكل أبحاثه في علم الضوء، مثل تعيين نقطة الانعكاس في المرايا الكروية والاسطوانية والمخروطية.
أما علم حساب المثلثات وعلاقته بعلم الفلك فيعد علمًا عربيًا إسلاميًا بقدر ما يعد علم الهندسة إغريقيًا، وكان العرب أول من استخدم الجيب بدلاً من وتر ضعف القوس، وأول من أدخل المماس في النسب المثلثية، وأول من اكتشف قواعد عمل الجداول الرياضية، وأشهر رواد هذا العلم (أبو الوفاء البوزجاني) وهو الذي أدخل القاطع وقاطع التمام.
وحظي علم الميكانيكا بعناية كبيرة أيضًا وكان يسمى علم الحيل، وأشهر من عني به موسى بن شاكر وبنوه في عصر المأمون وكانوا رياضيين فلكيين بارعين.
ولبني موسى بن شاكر (محمد وأحمد وحسين) كتاب في الحيل يعرف باسم (حيل بني موسى) وهو أول كتاب يعتد به في علم الميكانيكا، ويحتوي على مائة تركيب ميكانيكي مشروح ومصور، تناولوا فيه دراسة مركز الثقل وشرحوا الآلات وما فيها من حيل علمية. وقد طبق بنو موسى علمهم بالرياضيات وحساب المثلثات والحيل على الفلك فابتكروا وأبدعوا وبنوا مرصدًا عظيمًا في قصرهم ببغداد، وقد كلفهم المأمون بقياس محيط الأرض فقدروه بنحو 24 ألف ميل، وهو لا يختلف كثيرًا عن التقدير الحالي. وقد أعدوا لهذا العمل العظيم عدته واختاروا لقياسه مكانين منبسطين أحدهما في صحراء سنجار والآخر باكلوفه ونصبوا فيه الآلات وقاسوا
¥