تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولو كان بمصر آنذاك راسخون في العلم لما طمع فيها ابن سبأ، واليوم تطل الخلايا السبئية من جديد في مصر، فالجهل فاش وأعلام السنة منكسة، إلا ما رحم ربي، وأعلام البدعة ظاهرة، والطرقية، قنطرة القوم، ما زال لهم النفوذ الأكبر، لاسيما في القرى والمدن الصغيرة، ومع ذلك يوجد من أبناء مصر المسلمين من يسفه جهود طلبة العلم في التحصيل والدعوة، ويحصر المعركة في نطاق حركي ضيق، وكأن الإسلام: حركة سياسية منظمة لا دعوى ربانية، السياسة فيها وسيلة لا غاية، وتأليف القلوب وجمعها لا يكون إلا على الحق، وما عدا ذلك فهو: وهم عاشه من خاض تجربة "التقريب" المزعومة، وليس كل خلاف يعذر صاحبه.

وترك السنة وانتحال البدعة، سبب من أسباب الفرقة المذمومة، فكيف يمكن اجتماع الأمرين في قلب واحد بحجة جمع القلوب وتأليفها.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"فإذا ترك الناس بعض ما أنزل الله وقعت بينهم العداوة والبغضاء إذ لم يبق هنا حق جامع يشتركون فيه بل تقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون وهؤلاء كلهم ليس معهم من الحق إلا ما وافقوا فيه الرسول وهو ما تمسكوا به من شرعه مما أخبر به وما أمر به وأما ما ابتدعوه فكله ضلالة".

"مجموع الفتاوى"، (13/ 227).

وقد فوجئت قيادات بعض الحركات الإسلامية المعاصرة، ممن لهم مشاركة فعالة في الحياة الاجتماعية والسياسية في كثير من دول العالم الإسلامي، فوجئت بتحول كثير من كوادرها عن مذهب أهل السنة!!!!، نتيجة التقارب غير المنضبط بينها وبين طهران، فتحركت قلوب القوم لنصرة الدين، وليت عقولهم تتحرك تحرك قلوبهم، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي مصر ساهم القوم في الترويج لمبادئ الثورة الإيرانية بتصرفاتهم العاطفية غير المحسوبة، لاسيما في الصيف الماضي، بعد اندلاع الحرب في جنوب لبنان، وكأن معيار الولاء والبراء هو: حمل السلاح، مع أن حمل السلاح للدفاع عن النفس، أو حتى مهاجمة العدو، أمر جبلت عليه نفوس البشر: مؤمنها وكافرها، ولو كان مدار الأمر على مصابرة العدو، فإن "الفيتناميين" الملاحدة، أحق بهذه العاطفة، وهم الذين قتلوا 58000 ألف أمريكي، وطردوا القوات الأمريكية من بلادهم شر طردة، وإذا كان هذا حال من نظن به الخير، فما ظنك بآحاد المسلمين الذين يثقون في أبناء الحركات الإسلامية، لاسيما مع تخاذل أهل السنة في العصر الحاضر عن نصرة إخوانهم في كل مكان: في فلسطين، وفي أفغانستان، وأخيرا: في العراق، وهو تخاذل يذكرنا بحال الأمة الإسلامية في أواخر القرن الخامس الهجري، لما سقط بيت المقدس في أيدي الصليبيين، إذ كانت الحركات الباطنية المتسترة بانتحال حب آل البيت، رضوان الله عليهم، في أوج نشاطها، فظهرت حركة "إخوان الصفا"، وظهر "القرامطة" في البحرين، الذين استحلوا الدماء والأعراض، وقتلوا الحجيج، وانتزعوا الحجر الأسود وحملوه إلى ديارهم، وفي "مصر" و "المغرب" ازدهرت دولة بني عبيد الإسماعيلية الباطنية التي سامت أهل السنة في مصر والمغرب سوء العذاب، فقتلت العلماء والعباد.

يقول أبو الحسن القابسي رحمه الله: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة الآف رجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت.

ولو تتبعنا تاريخ بني عبيد منذ ظهر عبيد الله المهدي العبيدي في المشرق إلى أن قامت دولتهم في المغرب ثم في مصر بعد وفاة كافور الإخشيدي، رحمه الله، سنة 357 هـ، لو تتبعنا تاريخهم لوجدنا أنفسنا أمام مشروع "سبئي" آخر، قام فيه داعية العبيدين: الداهية أبو عبد الله حسن بن أحمد بن محمد بن زكريا، بنفس الدور الذي قام به: عبد الله بن سبأ، فنجح في استمالة حجيج قبائل "كتامة" المغربية، بما أظهره من زهد وورع وعلم، وقبائل كتامة قبائل: قوية، جاهلة مفرطة في الجهل!!!!، في نفس الوقت، أي أنها باختصار: أداة طيعة لتنفيذ أي مخطط سياسي عسكري في بلاد المغرب، وبالفعل نجح الداهية أبو عبد الله، بمفرده، في إزالة دولة الأغالبة التي يشبه حالها آنذاك حال كثير من دول العالم الإسلامي السني اليوم: ضعف سياسي وعسكري، حكم ديكتاتوري ظالم، فوضى اجتماعية واقتصادية، وكلها محاضن نموذجية لأي فكر منحرف، وبعدها قدم عبيد الله إلى المغرب ليقطف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير