تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأتباعه لهم من رفع الذكر والكفاية والحفظ بقدر اتباعهم لما جاء به، فمن كان أتبع لهديه، كان أعلى ذكرا، وأحمد عاقبة فـ: "الذين أعلنوا ما جاء به النبي فصار لهم نصيب من قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك)، فإن ما أكرم الله به نبيه من سعادة الدنيا والآخرة فللمؤمنين المتابعين نصيب بقدر إيمانهم فما كان من خصائص النبوة والرسالة فلم يشارك فيه أحد من أمته وما كان من ثواب الإيمان والأعمال الصالحة فلكل مؤمن نصيب بقدر ذلك"

"مجموع الفتاوى"، (28/ 38).

و: "والكفاية المطلقة مع الاتباع المطلق والناقصة مع الناقص وإذا كان بعض المؤمنين به المتبعين له قد حصل له من يعاديه على ذلك فالله حسبه وهو معه وله نصيب من معنى قوله: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)، فإن هذا قلبه موافق للرسول وإن لم يكن صحبه ببدنه والأصل في هذا القلب .................... ولو انفرد الرجل في بعض الأمصار والأعصار بحق جاء به الرسول ولم تنصره الناس عليه فإن الله معه وله نصيب من قوله: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)، فإن نصر الرسول هو نصر دينه الذي جاء به حيث كان ومتى كان ومن وافقه فهو صاحبه عليه في المعنى فإذا قام به ذلك الصاحب كما أمر الله فإن الله مع ما جاء به الرسول ومع ذلك القائم به".

"منهاج السنة"، (8/ 487، 488).

فعليك بلزوم طريقه وإن قل السالكون وإياك والحيدة وإن كثر المعرضون.

فلا يغرنك كثرة الهالكين، ولا تستوحش بقلة السالكين.

و: "إياك أن تستوحش من الاغتراب والتفرد فإنه والله عين العزة والصحبة مع الله ورسوله وروح الأنس به والرضى به ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا.

بل الصادق كلما وجد مس الاغتراب وذاق حلاوته وتنسم روحه قال: اللهم زدني اغترابا ووحشة من العالم وأنسا بك، وكلما ذاق حلاوة هذا الاغتراب وهذا التفرد: رأى الوحشة عين الأنس بالناس والذل عين العز بهم والجهل عين الوقوف مع آرائهم وزبالة أذهانهم والانقطاع عين التقيد برسومهم وأوضاعهم فلم يؤثر بنصيبه من الله أحدا من الخلق ولم يبع حظه من الله بموافقتهم فيما لا يجدي عليه إلا الحرمان وغايته: مودة بينهم في الحياة الدنيا فإذا انقطعت الأسباب وحقت الحقائق وبعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وبليت السرائر ولم يجد من دون مولاه الحق من قوة ولا ناصر: تبين له حينئذ مواقع الربح والخسران وما الذي يخف أو يرجح به الميزان والله المستعان وعليه التكلان". "مدارج السالكين"، (2/ 173).

ولذا كان الصحابة، رضوان الله عليهم، هم أولى الناس برفع الذكر، لما انقادت نفوسهم للوحي المعصوم، فمنه يتعلمون، وبه يتأيدون، وعنه يذبون، وله يحيون ويموتون.

وكان لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، من رفع الذكر ما ليس لغيرهم، إذ كانوا أكمل الناس متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا "راشدين مهديين" كما أخبر خاتم النبيين.

يقول أبو ذر رضي الله عنه: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما).

ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: (إن الله بعث إلينا محمدا ولا نعلم شيئا، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل).

فلله رد القوم ما أكمل عقولهم وأسلم فطرهم.

يقول ابن أبي العز رحمه الله:

(ولهذا كان سلف هذه الأمة، التي هي أكمل الأمم عقولا ومعارف وعلوما، لا تسأل نبيها: لم أمر الله بكذا؟ ولم نهى عن كذا؟ ولم قدر كذا؟ ولم فعل كذا؟ لعلمهم أن ذلك مضاد للإيمان والاستسلام، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم). اهـ

"شرح العقيدة الطحاوية"، ص239.

فالعقل الكامل لا ينقاد إلا للوحي المعصوم، لأن الكمال، كل الكمال، في متابعة المعصوم، والفطرة السليمة تأبى إلا التحلي بسنن المرسلين ظاهرا وباطنا.

فلم يحتج القوم مع كلام محمد صلى الله عليه وسلم لكلام أرسطو وأضرابه، ففي كلامه شفاء لأدواء القلوب، وحسم لمشكلات العقول، وفي كلامهم حيرة وضلال نطقت بها ألسنتهم وسطرتها أيديهم، فما يعقدونه في موضع يحلونه في آخر، (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير