وكان خاتم المرسلين وسيدهم وأكرمهم على ربه: محمد بن عبد الله يقول: يا أيها الناس إنما أنا رحمه مهداة، وقال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وقال صلوات الله وسلامه عليه: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب)، وهذا المقت كان لعدم هدايتهم بالرسل.
فرفع الله عنهم هذا المقت برسول الله فبعثه رحمة للعالمين ومحجة للسالكين وحجة على الخلائق أجمعين، وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيره وتوقيره والقيام بأداء حقوقه وسد إليه جميع الطرق فلم يفتح لأحد إلا من طريقه وأخذ العهود والمواثيق بالإيمان به واتباعه على جميع الأنبياء والمرسلين وأمرهم أن يأخذوها على من اتبعهم من المؤمنين.
أرسله الله بالهدى ودين الحق بين يدى الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا فختم به الرسالة وهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة وفتح برسالته أعينا عميا وآذنا صما وقلوبا غلفا فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت بها القلوب بعد شتاتها فأقام بها الملة العوجاء وأوضح بها المحجة البيضاء وشرح له صدره ووضع عنه وزره ورفع ذكره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.
أرسله على حين فترة من الرسل ودروس من الكتب حين حرف الكلم وبدلت الشرائع واستند كل قوم إلى أظلم آرائهم وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الفاسدة وأهوائهم فهدى الله به الخلائق وأوضح به الطريق وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور وأبصر به من العمى وأرشد به من الغي وجعله قسيم الجنة والنار وفرق ما بين الأبرار والفجار وجعل الهدى والفلاح فى اتباعه وموافقته والضلال والشقاء فى معصيته ومخالفته.
وامتحن به الخلائق في قبورهم فهم في القبور عنه مسؤولون وبه ممتحنون يؤتى العبد فى قبره فيقال: (ما كنت تقول فى هذا الرجل الذى بعث فيكم):
فأما المؤمن فيقول: (أشهد أنه عبد الله جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه)، فيقال له: (صدقت على هذا حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله نم نومة العروس)، لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ثم يفسح له في قبره وينور له فيه ويفتح له باب الى الجنة فيزداد غبطة وسرورا.
وأما الكافر والمنافق فيقول: (لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته)، فيقال له: (قد كنا نعلم ذلك وعلى ذلك حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله)، ثم يضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان.
وقد أمر الله بطاعة رسوله فى أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن وقرن طاعته بطاعته وقرن بين مخالفته ومخالفته كما قرن بين اسمه واسمه فلا يذكر الله إلا ذكر معه، قال ابن عباس رضى الله عنه في قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك)، قال: لا أذكر إلا ذكرت معي.
وهذا كالتشهد والخطب والأذان أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فلا يصح الإسلام إلا بذكره والشهادة له بالرسالة.
وكذلك لا يصح الأذان إلا بذكره والشهادة له ولا تصح الصلاة إلا بذكره والشهادة له ولا تصح الخطبة إلا بذكره والشهادة له.
وحذر الله سبحانه وتعالى من العذاب والكفر لمن خالفه، قال تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)،
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أي فتنة، وإنما هي الكفر.
وكذلك ألبس الله سبحانه الذلة والصغار لمن خالف أمره كما فى مسند الامام أحمد من حديث عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال: (بعثت بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم).
وكما أن من خالفه وشاقه وعاداه هو الشقى الهالك فكذلك من أعرض عنه وعما جاء به واطمأن إلى غيره ورضي به بدلا منه هو هالك أيضا فالشقاء والضلال فى الإعراض عنه وفي تكذيبه والهدى والفلاح في الإقبال على ما جاء به وتقديمه على كل ما سواه، فالأقسام ثلاثة:
المؤمن به وهو المتبع له المحب له المقدم له على غيره.
والمعادى له والمنابذ له.
والمعرض عما جاء به.
فالأول هو السعيد والآخران هما الهالكان.
فنسأل الله العظيم أن يجعلنا من المتبعين له المؤمنين به وأن يحيينا على سنته ويتوفانا عليها ولا يفرق بيننا وبينها إنه سميع الدعاء وأهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
"مجموع الفتاوى"، (19/ 101_105).
والله أعلى وأعلم.
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[27 - 05 - 2007, 04:19 م]ـ
ما اختار إلا الطيب من الأخلاق فتحلى بها.
وما اختار إلا الطيب من الشراب، فأصاب الفطرة باختيار اللبن دون الخمر.
وما اختار إلا الطيب من الطعام، فكان يعجبه من الشاة ذراعها.
وما اختار إلا الطيب من النساء، فزوجاته أمهات المؤمنين، العفيفات الطاهرات المبرءات من كل سوء
وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.
فداك أبي وأمي يا رسول الله
جزاك الله خيراً أخي مهاجر