صحيح أنه قد وقع، وافترقت الأمة، إلا أنه وقع كونا، ولم نؤمر به شرعا، فهو في حد ذاته أمر منهي عنه، ولكن الله، عز وجل، شاء لحكم قد تظهر لنا أو تخفى علينا، شاء بإرادته الكونية أن تفترق الأمة، بل وأن تسفك فئام من الأمة دماء فئام أخرى، مذ خرج الخوارج على عثمان، رضي الله عنه، مرورا، بفتنة الجمل وصفين اللتين ظهر بعدهما الخوارج الذين قتلوا عليا، رضي الله عنه، وحاولوا قتل معاوية وعمرو، رضي الله عنهما، وكل هذا الإفساد في الأرض، نتيجة لوقوع الخلاف المنهي عنه، الذي يوغل الصدور، ولا زال مسلسله مستمرا حتى اليوم، كما هو الحال في العراق وفلسطين.
ولا أحد ينكر أنه قد يكون من الخلاف ما هو سائغ لا ينكر فيه على المخالف، في كل فروع المعارف، كما ذكر مثنى، فمن الخلاف ما هو سائغ في:
العقائد كمسائل كثيرة من أشهرها: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج، أو وقوع عذاب القبر على الروح والبدن، أو على الروح فقط ......... إلخ من المسائل المبسوطة في كتب العقائد.
ومنه ما هو سائغ في الشرائع: كصيغ الأذان والتشهد ....... إلخ.
ومنه ما هو سائغ في النحو، كالخلاف بين الكوفيين والبصريين في مسائل لا تحصى.
.............. إلخ.
ومنه ما هو غير سائغ، ينكر فيه على المخالف، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا:
فلك أن تتخيل من يخالف في وجود الباري، عز وجل، محتجا بأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية!!!!، كيف يمكن أن يقر على ذلك؟!، ولا أعني أن يقتله آحاد الناس، مثلنا، فيصبح المجتمع غابة، بل للمسألة ضوابط شرعية دقيقة في جهاد المخالف بالسيف والسنان تارة، وبالحجة والبرهان تارة أخرى، على تفصيل ليس هذا موضعه، وإنما أردت الإشارة فقط لخلاف لو ساغ لانحلت عرى الملة عروة عروة تحت شعار "حرية الفكر"، الشعار المطاط الذي يحتمي وراءه كل زنديق ليبرر تطاوله حتى على رب العالمين!!!، ومرة أخرى: أمر الدماء ليس موكولا لآحاد الناس، أمثالنا، بل هو لأهل الحل والعقد، وهذا من رحمة الله، عز وجل، بأمة الإسلام.
وللحجة مقام وللسيف مقام، فلا يقوم السيف في مقام الحجة، ولا تقوم الحجة في مقام السيف، وليس لنا، عموم المسلمين ممن لا ولاية لهم، إلا مقام الحجة.
بل في الأحكام، أيضا، ما هو غير سائغ: فمن قال مثلا، بجواز أكل الكلاب، وهو قول ضعيف عند المالكية، رحمهم الله، كيف يقر على هذا القول بدعوى أن الخلاف سائغ؟!
الشاهد أن قضية الاختلاف تحتاج إلى العقل أكثر من حاجتها إلى العاطفة، وعبارة: "نجتمع على ما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضا على ما اختلفنا فيه"، لم تنجح في لم شمل الأمة، لأنها جعلت الخلاف كله سائغا، حتى لو كان في أصول الدين التي لا يصح الاعتقاد إلا بها: كمسائل: التوحيد بأنواعه وما أكثر ما وقع فيه من خلاف سواء أكان في مسائل علمية أم عملية، وعدالة الجيل الأول حملة القرآن ونقلة الشريعة، والولاء والبراء .......... إلخ.
ولو قيد الفاضل الذي أطلق العبارة السابقة فقال: "ويعذر بعضنا بعضا على ما اختلفنا فيه مما يسوغ الاختلاف فيه" لكان قيدا حسنا.
فلا يحسن أن تثار مسألة كمسألة: الجهر بالبسملة، على سبيل المثال، على أنها من مسائل الخلاف الكبرى، وتصبح معقد ولاء وبراء، وتترك صلاة الجماعة خلف من يجهر، إن كان المأموم يرى الإسرار، أو العكس، كما هو الحال عندنا في بعض قرى الوجه البحري، فهذا هو الخلاف المذموم الذي لا طائل من ورائه.
فليس كل خلاف معتبرا، وليس كل خلاف مستنكرا، بل منه ما هو معتبر ومنه ما هو مستنكر.
والله أعلى وأعلم.
أستاذي مهاجر قد أعطيت ما عندك فأجزلت
ولكن أستاذي العزيز الا تلاحظ أنك فسرت الحرية من جانب واحد فقط
إعلم أني قرأت ردك هنا أكثر من ثلاث مرات
وأريد أن أسألك سؤال إذا تكرمت بالاجابة
ما الفرق ما بين ليبرالية أمريكا وديمقراطية العرب المؤخوذه عن الغرب؟
ما الفرق ما بين الليبرالية والديمقراطية؟
وكأننا أصبحنا بين السندان والمطرقة
أرجوا أن لا أكون قد أثقلت عليك
ـ[نردين]ــــــــ[18 - 06 - 2007, 10:14 م]ـ
الأمان فقط ...
لو فكرت ولو قليلاً لقلت تكفيني
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 06 - 2007, 06:18 ص]ـ
أخي الحارث: أيها الفصيح المكرم:
جزاك الله خيرا على المرور والتعليق.
"ديمقراطية" العرب جنين مشوه أنتجته "الليبرالية" الأمريكية.
تماما كـ "الاشتراكية" التي سادت مصر في الخمسينات والستينات، كانت، أيضا، جنينا مشوها أنتجته "الشيوعية".
فمرة مع الشرق الملحد، ومرة مع الغرب الكافر، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وإنما نجحت الديمقراطية في غزو مجتمعاتنا نتيجة تفشي القهر والاضطهاد فيها، فظن المتعطشون للحرية أن الري في ديمقراطية الغرب، التي تنزع السلطان الإلهي لتمنحه للبشر تحت شعار براق: "حكم الشعب للشعب"، ولو كان هذا الشعب منحلا يجيز نكاح الرجال!!!!، المهم أن يحكم نفسه بنفسه بما شاء من قوانين، وبعد أن كان طواغيت النصرانية أفرادا، يمنحون صكوك الغفران لمن شاءوا، أيام سلطان "البابوات"، نزع السلطان من أيديهم وانتقل إلى أيدي أفراد المجتمع، كما يقول أحد الفضلاء المعاصرين، فاستبدل طاغوت واحد بملايين من الطواغيت تحت شعار: أنا حر في تصرفاتي ولو ارتكبت من الفواحش ما ارتكبت، فالديمقراطية: تشريع وتقنين للحياة وفق رؤية من ينتحلها، فهي عند التحقيق: سلطان مسروق من "البابوات"، انتزعوه بدورهم من رب الأرباب، عز وجل، فحاصلها: سرقة مزدوجة، لحق الباري، عز وجل، في أمره الشرعي، لا الكوني، فلا مخلوق يقدر على الخروج عن أمر الله، عز وجل، الكوني، وإن خرج عن أمره الشرعي.
والله أعلى وأعلم.
¥