تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أساليب الحفظ في المناهج المحظرية قراءة تاريخية تأصيلية]

ـ[أبوخالد]ــــــــ[15 - 07 - 10, 07:47 م]ـ

مقدمة

من المتفق عليه أن الحفظ من أهم الوسائل التي يتوصل بها إلى إدراك العلم، ولذا قيل العلم فازت به الحفاظ، وقد اعتنى شيوخ المحاظر بالحفظ،وركزوا عليه في مناهج المحظرة ومقرراتها، وهي سمة من سمات مدارس الفقه والحديث في الحجاز في عهد التابعين، فقد كان مالك شيخ حفاظ زمانه، ورث ذلك عن سعيد بن المسيب ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري محمد بن المنكدر وغيرهم من فقهاء المدينة، وقد نقل عن بعض شيوخ مالك أنه قال ( .. من لم يحفظ الحديث فليس من أهله، يأتي أحدهم بكتاب، كأنه سجل مكاتب) ولك أن تقف أيها المبارك عند هذه الكلمة، وتستكنه دلالاتها، لتدرك أن الذي يعتمد على الكتاب ويهمل الحفظ هو في الحقيقة عبد مملوك، لسيد اسمه (الجهل)،وقد قيل" المكاتب عبد مابقي عليه درهم"،ونظير هذا ما شاع عند الخاص والعام من الاستشهاد في هذا المقام بقول الشاعر:

ليس بعلم ما حوى القمطر

ما العلم إلا ما حواه الصدر

وقد اشتهر على ألأسنة (لِّ مَا يَعْرَفْ النَّصْ يَبْكَ ِيَّطَّمَّصْ) أي:يتخبط تخبط الأعمى، ويعرف هنا بمعنى يحفظ، وسنحاول بإذن الله تعلى استعراض بعض طرق الحفظ المتبعة في المحاظر في شكل وقفات،وقبل ذلك لابد من الإ شاة إلى الأصول الفكرية التي تنتمي اليها المحظرة، لما في ذلكمن التأصيل للمعارف العلمية والتربوية التي أنتجتها هذه المؤسسة الرائدة، وعليه فإنه يمكن القول إن المحظرة مالكية التوجه،مرابطية المنهج، أما كونها مالكية التوجه، فلأنها قامت على المذهب المالكي باعتباره المذهب السائد في المغرب الإسلامي، يضاف إلى ذلك أنها قامت على جهود تلاميذ أبي عمران الفاسي القيرواني شيخ علماء المالكية في عصره،وتعزز ذلك لاحقا على يد الإمام الحضرمي قاضي المرابطين، والشريف عبد المؤمن الإدريسي،أحد تلاميذ القاضي عياض وأحد مؤسسي مدينة ودان، وأما كونها مرابطية المنهج، فلأنها امتداد لرباط عبد الله بن ياسين الجزولي مؤسس دولة المرابطين، وآية ذلك تطابق منهجها مع منهج الرباط، وإن اختلفا في وسائل التطبيق، فمن ذلك أن ابن ياسين كان يُعزِّرُ طلابه على التهاون بالشعائر، وكان من شيوخ المحظرة من يعاقب طلابه على التهاون بالآداب العامة بالحرمان من الدراسة أياما، وكان الشيخ ابن متال التندغي، إذا بلغه عن بعض طلابه شيء قال له:

وفعل مالا ينبغي، لاينبغي

لتندغ، ولا لغير تندغي

والحقيقة أن المحظرة احتفظت بكثير من خصائص ذلك الرباط المبارك، كتسمية القائم عليها بالمرابط، فهما في حقيقة الأمر رضيعي لبان ثدي أم واحدة، على حد قول أبي الأسود الدئلي:

و إلا يكنها أو تكنه فإنه

أخوها غذته أمه بلبانها

وبعد هذا التمهيد نصل إلى الحديث عن أساليب الحفظ في مناهج المحظرة، ونجمل الكلام علي هذه الأساليب في النقاط التالية:

أولا: تحديد الهدف: وهومايعبر عنه في قاموس المحظرة بـ (لَكْرَايَ اللَّاخْرَ) أي: القراءة لأجل الدار الآخرة، وبعبارة أخرى طلب العلم لوجه الله تعلى، وملاحظة هذه الناحية واستحضارها سر من أسرار تفتق ملكة الحفظ عند كثير ممن جعلوا هذا الهدف نصب أعينهم،وقد كان بعض شيوخ المحظرة يأمر الطالب بتجديد النية، وكان الشيخ أحمدو بن محمذ فال الحسني كثيرا ما ينشد في إخلاص النية قول الشاعر:

لئن كان هذا الدمع يجرى صبابةً

على غير ليلى، فهو دمع مُضيَّعُ

وقد سمعته مرة يملى على بعض الطلاب هذه الأبيات:

ولتقصدوا أربعة قبل ابتدا

تعلم لكي تفوزوا بالهدى

أولها الخروج من ضلال

والثاني نفع خلق ذي الجلال

والثالث الإحياء للعلوم

والرابع العمل بالمعلوم

ومن آثار العلم الذي اخذ بهذه النية المركبة من هذه المقاصد العظيمة، أن صاحبه يوفق للحفظ والفهم، وقد حدثني بعض الفقهاء أن من آثار العلم الذي أخذ بهذه النيات نجابة الأولاد والتلاميذ، وقد حُدِّثتُ عن بعض الشيوخ أنه كان يقول (لاَتَكْرَاوْا اعْلَ عَالمَ ْعلمُ مَا مَرْفُودْ) أي: علمه غير منتفع به، فقيل له وكيف نعرف ذلك، قال انظروا إلى من قرأ عليه، فان انتفع بالقراءة عليه انتفاعا زائدا على شرح النص فخذوا عنه، والا فكل عالم يستطع أن يفك رموز الكتب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير