تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الاختبارات: باب من أبواب شعور العبد بالفقر والاضطرار للعزيز الجبار]

ـ[محمد براء]ــــــــ[12 - 08 - 10, 01:57 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[الاختبارات: باب من أبواب شعور العبد بالفقر والاضطرار للعزيز الجبار]

ما إن فرغت من سَحوري، ورجعتُ من المسجد بعد أدائي صلاة الفجر، حتى رفعت السماعة لأسأل صديقي عن موعد الاختبار اليوم، في أي ساعة ..

- (أكيد) الامتحان الساعة التاسعة؟!

- نعم .. وكيف إعدادك؟

- والله بقي آخرُ المادة .. لم أفتحها .. والليلة الماضية لم أنم (بالمرة)!

- كنتَ تدرس؟

- دراسة .. وغير الدراسة! لكن أخشى أن يأتي وقت الامتحان وأنا (امصطِّل)!!

- لا بد – إذاً – أن تنام الآن ..

ما أنهيت المكالمة، ونظرت إلى ساعة (جوالي) .. كانت الخامسة وعشرون دقيقة .. قلت لنفسي: نم ساعة أو ساعتين .. ثم استيقظ لتكمل دراستك .. ألقيت جسدي على فراشي، وما فعلت ذلك حتى (استغرقت) في نوم عميق ..

- - - - -

الساعة التاسعة وسبع عشرة دقيقة ..

قمتُ فزعاً .. يا الله! كيف نمت كل هذه الساعات .. الامتحان بدء منذ عشرين دقيقة .. لبست أقرب ثوب بجانب فراشي .. ووضعت على رأسي أقرب (طاقية) .. (وكلاهما كان متسخاً)!! .. وانتعلت نعلي .. وهرعت إلى الشارع .. سرت في الطريق وقد ألهمني الله تعالى أن أردد: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " .. " لا حول ولا قوة إلا بالله " .. ركبت (التاكسي) ..

لم يجد اليأس سبيلاً إلى قلبي .. مع أنني كنت مدركاً أن أكثر من وقت نصف الامتحان قد مضى .. إلا أن أملي كان معقوداً بكرم ربي جل وعلا .. وأنا أتوسل إليه بتركي ذنباً ألح عليَّ في تلك الليلة .. إلا أن ربي عصمني فلم أقع فيه ..

وصلت الجامعة .. سرت نحو (كليتي) .. وما إن دخلت أول ممراتها حتى وجدت الدكتور مدرس المادة .. فقلت له: هل دخل الطلاب؟ قال: زماان .. تعال فوت .. وين كنت؟ قلت: راحت عليّ نومة!!

أعاطني المراقب ورقة الامتحان .. وقال لي: انتبه: الامتحان ينتهي على العاشرة والثلث .. نظرت إلى ساعة جوالي فإذا هي تشير إلى التاسعة وتسع وثلاثين دقيقة ..

أخذت الورقة وشرعت في الإجابة .. وأنا أسابق الوقت .. الوقت كان كافياً بالنسبة لي .. ليس لذكائي واجتهادي (!!) - فكل من يعرفني يعرف كسلي في الدراسة - .. وإنما لأنني تركت أسئلة لم أحسن حلها!! انتهي وقت الامتحان .. صعدت إلى طابق مكاتب الدكاترة .. وفي الطريق رآني الدكتور .. وكان يمشي وخلفه (طالبتان) .. قال لي: هل كفاك الوقت؟ قلت: بقيت أسئلة لم أحلها!! قال لي: تعال معي ..

صعدنا إلى الطابق المذكور .. أَجلَسَنا ثلاثتَنَا (أنا والطالبتين) في قاعة .. وقال لي: كم ضاع عليك من الوقت؟ قلت: نصف ساعة! قال: طيب .. معك الآن نصف ساعة!

أعاطني ورقتي .. أصلحت حل بعض المسائل .. وانتهت (النصف ساعة) .. سلمت ورقتي ..

لك الحمد يا رب .. ما خاب من رجاك ..

شعرت بتيسير الله تعالى .. فلقائي للدكتور كان تيسيراً من الله تعالى .. وما فعله الدكتور تصرف أخلاقي نبيل .. إذ ليس هو ملزم بإعطائي وقتاً إضافياً أصلاً ..

وبمناسبة ذكر الطالبتين .. فإن إحداهما أنهت الإجابة في أول الوقت .. فخشيت أن تقع خلوة محرمة بيني وبين الطالبة التي ستبقى في القاعة .. فأضطر لمغادرة القاعة وتسليم الورقة .. لكن الله يسر .. ودخلت طالبة ثالثة كانت متأخرة .. فلم تحصل الخلوة - ولله الحمد - .. وهذا تيسير آخر ..

لم أذكر ما جرى معي اليوم عبثاً أو تسلية .. وإنما هو موقف من مواقف كثيرة .. شعرت بها وعايشتها .. هو شعور الفقر والاضطرار الذي يشعره الطالب في لحظات .. في فترة الامتحانات .. حين لا يجد أملاً ورجاءً إلا بخالقه جل وعلا .. أحببت نقله لإخواني الطلبة الذين لا أشك أن منهم من مر بمثل تلك اللحظات .. وأنهم يشعرون معي بأن:

[الاختبارات: باب من أبواب شعور العبد بالفقر والاضطرار للعزيز الجبار]

وقد ذكرني ما جرى اليوم بما كان يجري معي في أيام امتحانات الثانوية العامة من أمور أثرت في شخصيتي ..

وقد سارعت الآن إلى كتاب (الثقافة العامة) الذي درستُه في مرحلة الثانوية العامة .. لأنني تذكرت عبارات كتبتها أيام التحضير للامتحانات النهائية .. وأحببت نقلها لمناسبتها للموضوع:

[ها هي الأيام تمضي ..

وتوشك شمسك أيها العام على المغيب ..

لقد مضى عام كامل .. مضى بحلوه ومره .. بآلامه وآماله ..

نعم، مضيت أيها العام ..

وغداً ستطوى في سجل الماضي ..

لعلني سأنسى بعض ما فيك ..

إلا أن فيك أياماً لا أظنها تنسى ..

أيام الفقر والاضطرار ..

أيام زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ..

تلك الأيام التي غيَّرت فيَّ وبدَّلت ..

اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ..

اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور ".

مغرب الأحد

2/ 6/1428هـ

17/ 6/2007 م]

هذا ما كتبته هناك ..

وما زلت أنتظر اليوم الذي تغيب فيه (شمس) الدراسة الجامعية كلها ..

لأرتاح من بلايا كثيرة أهمُّها: الاختبارات!!

وهناك كلمة قرأتها واستعذبتها في درء تعارض العقل والنقل نقلها شيخ الإسلام عن أحد أئمة متكلمي الأشعرية وهو عبد الكريم الشهرستاني لا بد أن أنقلها هنا .. يقول:

" وإذا كان لا طريق إلى المطلوب من المعرفة إلا الاستشهاد بالأفعال، ولا شهادة للفعل إلا من حيث احتياج الفطرة واضطرار الخلقة، فحيثما كان الاضطرار والعجز أشد، كان اليقين أوفر وآكد:

" وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه " ..

لا جرم:

" أمن يجيب المضطر إذا دعاه " ..

والمعارفُ التي تحصُل من تعريفاتِ أحوال الاضطرار أشدُّ رسوخاً في القلب من المعارف التي هي نتائج الأفكار في حال الاختيار ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير