تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مهمات في التأصيل العلمي]

ـ[ذو المعالي]ــــــــ[29 - 06 - 10, 08:10 م]ـ

التأصيل العلمي و المعرفي من أهم الركائز التي يجب على الطالب أن يهتم بها، و هذه مهمات ومعالم في التأصيل:

أولا: في المتن: أن يكون الاعتماد على متن أصلٍ في الفن، معتبر عند أهله، مطروقٌ شرحُه كثيراً من أساتذته. و لا يكون على متنٍ ليس بذاك. و هنا المتن للاعتماد، و فرق بين متن الاعتماد و متن التخرُّج، فمتن الاعتماد أن يكون كما ذكر، و متن التخرُّج أو التعلم أن يكون متنا مستوعبا أصل العلم، آتياً بقضاياه و مسائله على المعتمد فيه عند أهله، حتى و إن كان متأخرا، ولو معاصرا، لأن المقصد منه أن يقف الطالب على مباحث العلم و يُدركها. و متن الاعتماد أو الاستشهاد يكون عند المحاججة أو الاستدلال، و لكل زمن كتبه. و أما الاستكثار من المتون في كل فنٍّ فهو من تضييع الأعمار، فالمتون لم تُجعل إلا لأحد ذين الأمرين؛ إما الاعتماد، و إما التخرُّج. و يكفي في الفن بعضٌ.

مما يُلحظ بعين العناية في المتون، أن يُراعي الطالب متون بلده، و المعتمد فيها، فلكل بلد متونه، و لكل أرضٍ أصولها، فبذلك يكون أسهل عليه في تحصيل المقاصد، فخدمة متون أرضه في أرضه أكثر من خدمة متون غيرها فيها، و يجد من المشتغلين بمتون أرضه كثيراً، بخلاف المشتغلين بغيرها.

ثانيا: من قضايا المتون ما يتعلق بالتدرج فيها، و التدرج سنة كونية حياتية، من خالفها انتكس جهده، و انقلب على عقبيه، و لكن يُلاحظ في التدرج في المتون سراً جوهريا، غائب عن الكثيرين، و هو: أن يكون التنقُّلُ ليس صوريا، بل يكون جوهريا، بمعنى: ألا يكون التدرج في صورة انتقال من متن إلى متن، و ليس في التالي مزيدا على الأول، بل يكون جوهريا، و يكون في المتن التالي زوائد كثيرة تستحق إفناء العمر و الجهد فيها، أما أن يكون التدرج مجرداً من درجة كبيرة من الزوائد، و يكون الزائد مما لا يستحق أن يقضى فيه الوقت، فيكون أغلب ما في المتن التالي مكررا لما في الأول، فهذا من ضياع العمر و الجهد. و عند التحقيق و النظر نجد أن الفنون يُنال العلم فيها من خلال متونها بمتونٍ لا تتجاوز الثلاثة متون، وما زاد عن ذلك فلا يُحتاج إليه في تأصيل قاعدة، و إنما في تكميل فائدة.

من قضايا التدرج في المتون، و هي من المغفول عنه، عدم ملاحظة القُدرات العقلية، فمن استوعبَ المتنَ الأوليَّ في وجيزٍ من الوقتِ يُنقل إلى متنٍ أبعد، فليس من المستحسن أن يُلتزم التدرُّج المتنيَّ التزاما إلزاميا. فليلحظ الطالب نفسه في ذلك، فإن كان قادرا على استيعاب المتن المتقدم فلينتقل إليه، فالتدرج وسيلة لغاية العلم، و ليس غاية لغاية.

ثالثا: بعد ذلك يقرأ متنه على عالم متمرسٍ في إيضاح المقصود في متن الفنِّ، و هنا هو يحتاج إلى مفتاحٍ يفتح له باب العلم، فلينظر إلى أيسر طريق إلى ذلك، و لا يُتعب نفسَه بالتتبع لشخص على وَفْقِ شرطٍ لا تخدم الجوهر بقدر ما أنها تخدم صورة الطلب، و أيضاً ليكن بحثُه من أجل تحصيل الفتح للمتن لا من أجل شرف القراءة، إلا إن كان قصده في الأصل أن يكون في صورة المتعلم فعليه أن يتبع الصور، و أما إن كان قصدُه تحصيل العلم فيأخذ الطريق الذي يُوصله. و كل معلم سيُوصل طالبَه إلى مراده، و لكن الطرائق تختلف.

رابعا: شرط المتن المعتمد أن يكون له شرح، و قد غدت بعض المتون ذات شروح كثيرة، و على الشروح حواشٍ، و من ثَمَّ تقريرات، مما يجعل الطالب في متاهة من التعب في التتبع لشتات المبحوثات في ذلك المتن، فيلزمه أن يقف على شرح أصلٍ أصيل للمتن، فيعكف عليه، و يجعله عمدة المُضاف المزيد مما تفرق في غيره، فيتخرج على ذلك الشرح كما تخرج على متنه. و يُقال في الشرح ما قيل في المتن. أما تتبع الشروح و جمعها فهو مما يُضيع الجهود، حيث أنها تكرار لبعضها، و نسبة الزائد ليست كبيرة، و ربما لا تكون من عُقَد العلم، و إنما تكون من مُلَحه و لطيفه، و الطالبُ يتبع العُقَد.

و يكون في كل ذلك واقفاً على أصول المسائل و القضايا، تاركاً تفاصيلها و جزئياتها، فالجزئيات تأتي في مسيرة القراءة، و الاشتغالُ في التفاصيل عند البناءِ هدمٌ بهدوء. فليكن اهتمامه بالأصول، فكما اشتغلَ بأصولِ المتون، فليكن أيضا مشتغلاً بأصول المسائل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير