ولم يكن تردد في تجاويف النفس أن أهذب هذه القصاصات وأخرجها في ضميمة تروى وتنشر، إلى أن وقع إليّ كتاب الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة الحلبي رحمه الله تعالى المسمى " صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل " فأعجبني حسن اختياره، وجودة ترتيبه، وحرك فيّ رغبة في إظهار جانب آخر متصل بالحياة العلمية لسلفنا الصالح رضي الله عنهم، تظهر فيه حَصِيلة هذا الشظف الذي عانوه، والنصب الذي رغبوه، وليعلم القارئ أنَّ زرعهم الحنظل قد جَنَوْه ورداً، وصبرهم قد أثمر مَجْداً، وقديماً قيل: من جدّ وجد.
فبدأتْ فِكرةُ تأليفِهِ تدور في خَلدي، وتكبر حينا بعد حين، وزادَ من عزيمتي في إخراجه بعض مُذَاكرات مع بعض شباب الدعوة المباركة، يسألون فيها عن السنة إنْ كانت مشمولة بالحفظ الإلهي أم لا؟ وعن كيفية حفظها؟ وطرق ضبطها؟ وكانَ أنْ قال أحدهم: إنَّ بعض الناس يزعم أنَّ السنة غير مشمولة بحفظ الله عز وجل، وليست داخلة في قوله تعالى: (إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وأورد ما زعموه أدلة، وهو في الحقيقة شبه واهية كبيت العنكبوت، و رؤىً كاذبة كسمادير المهوسين، فثارت فيّ حمية عربية، وغضبة مضرية، تعصبتُ فيها للسنة المحمدية ولصاحبها محمد صلى الله عليه وسلم مِنْ أنْ يأتي متفرِّغٌ فيزعم أنَّ كلامه الشريف تسفّه الريح، وتطويه الدهور، ولا يُحفظ إلى باقي الأمة الذين أرسل إليهم صلى الله عليه وسلم.
وتعصبتُ للحفاظ والمحدثين، الذين كانوا درة في صفحة تاريخنا، وتاجاً مُرصَّعَاً بالصبر والتضحية على جبين أمتنا، مِنْ أنْ يأتي سفيه فيجحد فضلهم، وينكر عزمهم، ويُصيّر جهودهم هباء منثورا.
وتعصبت لعلم الحديث – الذي ما زلت أطلبه منذ رفعت بالعلم رأسا – من أن يُعتقدَ به نقص أو ضياع.
فاتجهَت الهمة، وتحققت النية، بإخراج هذا الكتاب وتقسيمه إلى قسمين:
الأول تنظيري، والثاني تمثيلي.
أتناول في الأول معنى الحفظ، ومعنى كون السنة محفوظة، وأدلة هذا الحفظ المثبت، وشبه المعترض مع نقضها، وبيان أصل هذه الشبهة ومصدرها الذي انفصلت عنه.
ثم أرسم لطالب الحفظ منهجية مستقاة من سير الحفاظ والمحدثين، تعين على الحِفظ، وترشد إلى مقوِّماته، وتحرك في النفوس مولداته، ومنهجية أخرى في تدوين السنة وكتابتها، وفيها تطرق للتحقيق وأصوله.
وأقدم في الثاني صفحات من حفظ العلماء، وطرفا من مذاكراتهم، ومن حفظ من أول سمعة، ومن غلب الحديث على عقله، وذهب بلبه وتفكيره، فكان ذهوله إليه، وذهابه له.
وأبتدأ ما قصدت تأليفه وجمعه، عائذا بالله من الخطل والزلل، والعي والحصر، والتكلف لما لا أحسن، داعياً بدعوة النمر بن تولب:
أعذني رب من حصر وعيٍّ ومن نفس أعالجها غلابا
اللهم آمين، اللهم آمين.
ـ[أبو خليل النجدي]ــــــــ[07 - 03 - 07, 11:05 ص]ـ
.............................
ـ[العارض]ــــــــ[11 - 03 - 07, 09:41 ص]ـ
...
ـ[صخر]ــــــــ[11 - 03 - 07, 03:21 م]ـ
ذكرتمونا ذكركم الله بالجنان ..
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[13 - 08 - 08, 12:12 م]ـ
............
ـ[كمال سليمان]ــــــــ[14 - 08 - 08, 08:07 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[عزالدين المعيار الإدريسي]ــــــــ[15 - 08 - 08, 01:47 م]ـ
نعم لحفظ الوحيين القرآن و الحديث على الإطلاق و ما أجل أن يؤدي العالم آيات الذكر الحكيم كما نزل بها جبريل على قلب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - و ما أجمل أن يروي المحدث الأحاديث بأسانيد و متون صحاح .... لكن الأمر ليس كذلك فيما عداهما بل يجب الاقتصاد في الحفظ والعمل على التحرر من ألفاظه قدر الإمكان
لقد أوصى أبا نواس أستاذه بأن يحفظ عشرين ألف بيت من الشعر ثم ينساها و ذلك ليتحرر من التقليد و الاجترار لأن كثرة المحفوظات تقتل الإبداع
و كان بعض علمائنا رحمهم الله مضرب الأمثال في الحفظ والاستحضار لكنهم في الوقت ذاته كانت أساليبهم صدئة و معلوماتهم غير محينة إلى درجة أن يردد أحدهم على أسماع الطلاب مثل عبارات "وعلى هذا العمل عندنا في القيروان أو في قرطبة" مما قاله عالم قبل ألف عام أو تزيد
وأعرف منهم من هو آية في الحفظ لعشرات المتون و الدواوين بشروحها في النحو و البلاغة و الأدب و لا يستطيع ارتجال كلمة أو كتابة رسالة
يتبع
ـ[عزالدين المعيار الإدريسي]ــــــــ[17 - 08 - 08, 02:43 م]ـ
إذا كانت ظروف الماضين استدعت الحفظ في كثير من الأحيان مع اعتقادهم بأن لا يليق بالعالم أن يقرأ من كتاب فإن الأمر اليوم ليس كذلك بل لقد ظهرت الجذاذات منذ زمان وكانت إلى وقت قريب معتمد الباحثين ثم ظهر الحاسوب ونظم المعلومات الحديثة فانحلت العقدة و أ صبح غير غريب أن يضع المحاضر حاسوبه أمامه و هو يحاضر و لا تخفى أهمية هذه الأساليب الجديدة في تخزين المعلومات و يكفي مواكبتها للمستجدات و تحيينها للمعلومات
لقد كان كثير من أساتذتنا في الجامعة يظلون يرددون على الأجيال ما وصلوا إليه في أبحاثهم منذ عقود دون أن يقبلوا مناقشتهم في ذلك
يتبع
¥