أما الآن مع الأسف الشديد نجد الأمر أن النشر هو للتجارة وليس لخدمة العلم، وتجد لافتات ضخمة يقال أن هذا الكتاب قام على تحقيقه أو التعليق عليه لجنة من أهل الاختصاص وحينما تقرأ تحزن لكثرة الأخطاء المطبعية، مع شعورك بأنه لم يحقق!
تعاون المؤلفون المحدثون مع الناشرين في غزو المكتبات بشتى المؤلفات، تجد رسائل متعددة في موضوع واحد، هذا يأخذ من هذا وهذا يأخذ من ذاك وليس هناك علم جديد.
قبل أمس اتصل بي أحد الجزائريين، أعجبتني لغته. مع أن لغة الجزائريين صعبة فلهجتهم غير لهجتنا ولكن هذا الأخ كانت لهجته عربية فصحى لا يلحن، ماذا سألني، قال: أنا بصدد جمع أوهام الحافظ الذهبي في تلخيصه للمستدرك التي أشرت إليها في كتبك حيث تقول أنت مثلاً: أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، فما رأيك؟ قلت له: لا تفعل، ولئن فعلت فاجمع لنفسك، لأني
أريدك ألا تكون إمعة، ولا مقلداً، لا لبكر ولا لزيد ولا لناصر، نريد منك أن تنشر جهدك واجتهادك وكل إنسان يستطيع أن يجمع قول فلان مع قول فلان ويؤلف رسالة، ماذا يستفيد الناس من هذا المجهود هكذا أقول لطلاب العلم، لا تتسرعوا في التأليف والنشر وأضرب لهم مثلاً: عندي كتاب هو أول كتاب يمكن أن يقال أنه تأليفي وهو في مجلدين واسمه: (الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير)
ألفته وكان عمري 25 سنة، حينما يراه الإنسان يتعجب من الجهد ومن العناية بالخط، أما الآن بعد أن بلغت من الكبر عتياً أستفيد منه كثيراً، ولكن لا أرى أنه صالح للنشر، لماذا؟
لأنني أستدرك على نفسي بنفسي، وهناك مثال واضح جداً، كنت أنا مع الجمهور الذين إذا رأوا حديثاً بإسناد كل رجاله ثقات إلا شخصاً واحداً وثقة ابن حبان، كنت أقول هذا إسناد صحيح، على هذا جريت في هذا الكتاب، لكن فيما بعد، رأيت أن توثيق ابن حبان لا يوثق به،
والآن من فضل الله علي وعلى الناس أن كثيراً ممن عنوا بعلم الحديث أصبحوا يقولون كما صرت أنا أقول لا كما كنت أقول، ثم جدّ معي شيء عثرت عليه منذ بضع سنين أن وجه الصواب في الذي نشرته وانتشر عن ابن حبان، الصواب فيه أنه ليس على إطلاقه (يعني لا يقول أحد أن توثيق ابن حبان لا يوثق به) تبين لي هذا من الممارسة العملية، هذه نقطة لم تذكر في علم المصطلح، صرت أقول: توثيق ابن حبان لا يوثق به إلا إذا كان هذا الموثق له رواة كثيرون عنه، إذا كانوا ثقات، عندئذ تطمئن النفس إلى الاعتداد بتوثيق ابن حبان ثم حصلت عجائب، الناشئون الذين أخذوا تنبيهي الأول صاروا يردون علي:
أنت لماذا تصحح هذا الحديث وفيه فلان، لم يوثقه إلا ابن حبان؟!
طبعاً أبين لهم الآن أنه تكشف لي كذا وكذا .. وليس بشيء تفردت به، هذا غير مذكور في علم مصطلح الحديث، لكن يفهمه الإنسان بالممارسة ..
الخلاصة، نحن نريد الآن من الناشئ ألا يتسرع.
س: بعض الناس ينتقدون منهج الجامعات الإسلامية في طرق التعليم، وأنهم لا يخرجون طلبة علم مؤهلين ليكونوا علماء، ما هي الطريقة المثلى للتعلم برأيكم؟
ج: الجامعات ليس بإمكانها أن تخرج علماء، لكن الجامعات تهيئ الطلبة ليكونوا علماء، والحق أن الذين يتخرجون لا يقومون بواجبهم، لا يتابعون الاستفادة من القواعد العلمية والتوجيهات التي تلقوها من أساتذتهم لينكبوا على العلم، ثم عند النضج العلمي كتابة ومحاضرة ونشراً، فأصبح جل هؤلاء المتخرجين همهم أن يصبحوا أساتذة ومعلمين أو أن يصبحوا موظفين كبار في بعض الدول.
إن مصيبة العالم الإسلامي اليوم هي فقدان التقوى، فقدان التربية، وفي اعتقادي أن الناس لا يختلفون في أن العلم وحده لا يكفي بل قد يضر صاحبه.
س: أعتقد أن هناك ضعفاً في طرق التعليم، وكذلك في المناهج المقررة، مارأيكم؟
ج: ليس عندي دراسة للمنهج حتى أفيدك، ولكن عليك أن تلاحظ في الجامعات عدد السنين التي وضعوها والأوقات التي حددوها والتي لا تساعد على دراسة العلم كما كانوا قديماً يدرسون، في بعض جامعات الهند أو في بعض الحلقات على الطريقة القديمة كنت أسمع أنهم يدرسون الكتب الستة فعرفت فيما بعد أنهم كانوا يدرسونها للبركة، الأوقات التي تنظم في الجامعات لا تساعد على التوسع في المناهج،
¥