تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أضرب لك مثلاً بشخصي: أنا يوم كنت هناك بالجامعة، كان من المقررات الجزء الأول من (سبل السلام) فأنا ما استطعت أن أنهي من المقرر إلا أقل من الربع، لأني كنت أدرس الحديث الواحد في حصتين، ضاق الطلاب ذرعاً،فراحوا يشكونني إلى الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة يومها، وكنا نلتقي بالرئيس والأساتذة فقال لي: إن الطلاب يشكون من تطويلك،

فقلت له: صحيح،لكن هناك أقوال وأحكام مختلف فيها بين المذاهب، لا بد أن أذكر دليل كل واحد وأعمل تصفية،

فقال لي: اكتف بما يحضرك، ولا تذكر كلام العلماء بالتفصيل.

الطلاب الذين يتخرجون إن لم يتابعوا الخطأ في الدراسة ويتوسعوا فيها لانجد بينهم علماء، والسبب أن الطالب عندما يأخذ شهادة الدكتوراه يصبح أستاذاً في الجامعة أو يتوظف في دائرة من الدوائر، فهو لا يستثمر المفاهيم والقوانين التي تلقاها، كما لا يتفرغ للعلم وللعلم فقط.

س: ألا ترون إحياء حلقات العلم إتماماً للدراسات الجامعية؟

ج: نعم، ولكن نعود إلى المشكلة، من الذي يدرِّس؟

س: نعود إلى بعض النواحي العلمية، سمعت من بعض الإخوة الدكاترة في الجامعات الإسلامية وطلبة العلم نقداً لطريقتكم في تقسيم كتب السنن إلى صحيح وضعيف

يقولون: ربما يتبين لكم بعدئذ أن هذا الحديث ضعيف أو العكس، فما

رأيكم؟

ج: هذا ممكن وواقع وماذا يريدون؟

س: لو تبقى سنن أبي داود وتعلقون عليه في الهامش فيبقى الكتاب كاملاً كما ألفه أبو داود؟

ج: هذه مشكلة، ولكن لنترك صحيح أبي داود وضعيفه.

أنا عندي الآن سلسلتان: الصحيحة والضعيفة كما تعلم،

وكثيراً ما يقع أن أنقل حديثاً من الصحيحة إلى الضعيفة، وبالعكس، وهذا مستنكر عند الجهلة، ومقبول مشكور جداً عند أهل العلم؛ ما الفرق بين الصورة الأولى والصورة الأخرى؟

ربما بعد سنوات نعيد طبع سنن أبي داود وأنا من فضل الله علي نادراً ما

أعيد طباعة كتاب إلا وأعيد النظر فيه، لأنني متشبع أن العلم الصحيح لا يقبل الجمود، وأنا أتعجب من مؤلف ألف كتاباً من عشرين سنة خلت ويعيده كما هو لا يغير ولا يبدل، ما هذا العلم، هل هو وحي من السماء؟ أم جهد إنسان يخطئ ويصيب، ولنفرض أننا استجبنا لهؤلاء وأعدنا طباعة الكتاب وانتقلت أحاديث من الضعيف إلى الصحيح وبالعكس فنعود لنفس القضية،

ومن الممكن أن ننقل هذا الاقتراح إلى مختصري للبخاري، ولكنهم لم يقولوا: دع البخاري كما هو؛ ولكنهم يقرونه ولا ينكرونه،

وأنا أقول الحقيقة انني لما بدأت بتقسيم سنن أبي داود من

نحو أربعين سنة إلى صحيح وضعيف، عرضت وجوه النظر أمامي تماماً، قلت:أفعل هذا أو هذا، ثم ترجح عندي وأيدني في ذلك بعض الأدباء الحريصين على العلم مثل الأخ حمدي عبيد، أيدني في جعل السنة قسمين، ترجح عندي وفي داخل مشروعي تقريب السنة بين يدي الأمة من جهة، ومن جهة ثانية تقريب السنة الصحيحة وليس الضعيفة، وبعدئذ لا خوف، لأن عامة الناس ليسوا بحاجة إلى معرفة الضعيف، وإنما يحتاج ذلك خاصتهم، فإذا كان رجل من عامة الناس أقدم له

صحيح أبي داود وأقول هذا حسبه، أما الخاصة فيجب عليهم معرفة الضعيف، فالمفروض أنهم موجهون للناس.

لقد ترجح عندي ذلك وقدوتي في ذلك الأئمة:

أئمة الصحاح مثل البخاري ...

.

س: أستاذنا، هل هناك بعض الفتاوى الفقهية، قلتم بها من زمن ثم رجعتم عنها لإطلاعكم على أدلة أقوى؟

ج: ربما بلغك عني إشاعة أني تراجعت عن القول بتحريم الذهب المحلق على النساء، فهذا كذب، وربما هناك إشاعات أخرى وكلها ليس لها أصل.

س: نعود إلى النقطة التي ذكرتموها في أول الحديث، وهي أن منهج أهل السنة يحتاج إلى تفصيل حتى يساعد المسلمين عل حل مشكلاتهم.

هل نستطيع أن نقول أن الخطوط العريضة لهذا المنهج، وأعني طريقة تفكير واستدلال أهل السنة هو ما كتبه الشافعي في الرسالة أو الشاطبي في الموافقات أو ابن تيمية في كثير من كتبه وخاصة (درء تعارض العقل والنقل)؟

ج: نعم هؤلاء العلماء الذي ذكرتهم من نوادر علماء المسلمين، الذين يتمثل المنهج العلمي السلفي في كتبهم.

س: أستاذنا هل عندكم زيادة عما كتبه الأخ الشيباني بالنسبة لحياتكم الشخصية؟

ج: ليس عندي زيادة وما كتبه فيه الكفاية.

س: سؤال أخير، ما هي نصيحتكم للشباب المسلم في هذا العصر؟

ج: نصيحتي في ناحيتين: ربما فهمت الأولى من كلامي السابق، أن يتفقهوا بالدين اعتماداً على قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وأن لا يكتفوا بالعلم دون العمل، لأن الحقيقة التي ألمسها لمس اليد كما يقال أن أكثر شبابنا الناهض اليوم همته في النواحي الفكرية دون الناحية العلمية

والعملية لذلك أنا أنصح هؤلاء أولاً أن يتوسعوا ما استطاعوا بمعرفة العلم الصحيح المستقى من الكتاب والسنة إما بأشخاصهم إذا أمكنهم أو بالاستعانة بأهل العلم، وأن لا يقدموا على شيء يصدر عنهم عن جهل اعتماداً على ثقافتهم القليلة الضحلة، هذامن جهة،

ومن جهة أخرى أن يهتموا بالعمل أكثر مما يهتمون بالعلم، لأننا نرى

مع الأسف الذين يهتمون بالعلم أكثرهم لا يعملون، وبالأولى أن الذين لا يهتمون بالعلم ألا يعملوا، فليعكسوا الأمر، عليهم أن يهتموا بالعمل أكثر من العلم، فإذا كان أهل العلم يتركون العمل، فالأحرى بغيرهم ممن لا يعلم أن يترك العمل أيضاً،فعلى أهل العلم وطلبته أن يصرفوا جهودهم إلى العمل ويعكسوا الحال الحاضرة إلى علم وعمل كثير لتتعدل كفة النقص في المجتمع.

فكما لا ينفع علم بلا عمل فكذلك لا ينفع عمل دون علم وهذه حقيقة - ولله الحمد - متفق عليها بين علماء المسلمين، هذه نصيحتي للشباب المسلم الناشئ في هذا العصر.

اجرى اللقاء رئيس تحرير المجلة

في عددها 33

ربيع الآخر 1411هـ

والله الموفق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير