تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولعلّ من الجميل أن أضرب المثل هنا بالحجّار الذي يظلّ يضرب الصخرة بفأسه أو معوله, ربما مئة مرة دون أن يبدو فيها أدنى أثر يبشر بكسر أو فلق, وليست الضربة الأخيرة هي التي حققت هذه النتيجة؛ بل المئة ضربة اللاتي سبقنها! وما أكثر الذين يرجعون من منتصف الطريق, بل ما أكثر الذين ييأسون من كفاحهم قبل أن يجنوا ثمره ربما بزمن وجيز! ولو استمروا وثابروا وصبروا حتى الضربة الواحدة بعد المائة لحصدوا كلّ ما زرعوا وأكثر .. وكما يقال: من جد وجد, ومن زرع حصد, ومن سار على الدرب وصل!

ثالثا: على المتعلّم أن يعرف حقيقة الأمانة التي يتحمّلها .. وهذا مهمّ جدا لتفادي التهاون في طلب العلم .. ! بمعنى أنّ الإنسان عليه أن يكون مسؤولا عن ما يتعلّمه .. بل وناقلا لهذا العلم إلى كلّ من يجهله .. وقبل ذلك عاملا بمقتضى ما اكتسبه، بادئا بنفسه؛ ليكون مثالا يحتذى به .. ولا يكون كاليهود الذين ذمّهم الله بقوله: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ).

وقوله تعالى أيضا: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا .. ) … وبالمقابل نتأمّل ما قاله صلى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم".

رابعا: إدراك قيمة الوقت الذي يهدره طالب العلم…! فهو إما أن يكون مهدورا أو يكون مأجورا .. وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (إنكم من الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة, من زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة , ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة, ولكل زارع مثلما زرع).

وكل يوم جديد .. هو علينا شهيد .. وأبدا أبدا لن يعود .. فكفانا له تبديدا!

وما قيمة العلم إذا لم يتلقه صاحبه على النحو الصحيح؟! وما قيمة الانتساب إلى دور القرآن دون أن نحظى بتغيير في قراءتنا له, وحفظنا وتدبّرنا لمعانيه؟! وما قيمة عمرنا الذي نحن مسؤولون عنه إن أضعناه في علم لا ينفع ولا يغير حياتنا؟! وما موقف الغرب من أمّة الإسلام إن كان شبابها وعمادها يتعلّمون شكلا دون الارتقاء بأمّتهم إلى معالي المجد؟! .. وعلينا أن لا ننسى أنّ العلم في الصغر كالنقش على الحجر .. فلنستغلّ العمر الصغير في العلم الكثير؛ فالعمر عزيز والعلم غزير.!

قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا .. ).

خامسا: من مقتضيات التعلم أيضا: شكر الله تعالى على هذه النعمة التي يتمناها الكثيرون .. ولا يحظى بها إلا من أنعم الله عليه بحسن النظر وسداد البصيرة .. ! ومن شكر طالب العلم لله تعالى على نعمة التعلّم: أن يعطي لهذا العلم حقه من حسن الاستماع والتلقي؛ وكذلك الالتزام الكامل بمتطلبات هذا العلم من حضور مستمر, وتركيز للذهن, وهمّة عالية تسخر في كسب العلوم, وأداء منتظم لنشاطاتها المختلفة, بالإضافة إلى الاطلاع على سير أصحاب العلم الذين يحتذى بهم, ومن ثمّ الاقتداء بهم, وإفادة الآخرين, ونشر العلم والوعظ والإرشاد للمحتاجين له… فليس في الدنيا أطيب عيشا من منفرد عن العالم بالعلم فهو أنيسه وجليسه .. قد قنع بما سلم به دينه عن المباحث الحاصلة في دنياه، فوالله هذه نعمة تستحق الشكر.

سادسا: تذكّر الأجر المعنوي, والثواب الحقيقي الذي يجنيه الدارس من دراسته, والذاكر من ذكره, والحافظ من حفظه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلّم: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ". رواه مسلم. فأي ثواب أعظم من هذا؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير