تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولو أن الباحث جمع بين المسلكين فاهتم بتحرير المسألة وتدقيقها، وتأكد من ثبوت الأدلة ووجه الدلالة منها، واعتنى بأقوال الصحابة والسلف لكان في ذلك خير كثير.

- مرحلة دراسة المسألة وتمحيصها من أهم المراحل التي ينبغي لطالب العلم، وبخاصة المبتدئ أن يقوم فيها بمراجعة أهل العلم وسؤال أهل الاختصاص، وبخاصة في المسائل المشكلة.

الخطوة الرابعة: الترجيح ومناقشة الأدلة:

وهنا يحسن التنبيه على أمور:

- إدراك خطورة الترجيح وعظم المسؤولية الملقاة على عاتق من يقوم به، وفي المقابل إدراك أهميته وضرورة قيام الراسخين من أهل العلم به.

- يحسن بالباحث في هذه الخطوة أن يذكر القول الراجح، ويبين أوجه رجحانه، ثم يناقش أدلة الأقوال الأخرى ويجيب عنها (1)، ثم يبين إن كان للخلاف ثمرة أم لا.

- من الأمور الهامة التي لا بد لطالب العلم من التنبه لها قبل أن يخوض غمار الترجيح بين الأقوال والمقارنة بين أدلتها، والمناقشة لها ما يلي:

1 - ضرورة جمع النصوص في الباب الواحد. قال الإمام أحمد: «الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا» (2)، وجمع النصوص يزيل كثيراً من الالتباس والاختلاف. قال ابن تيمية: «وقلَّ أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام» (3).

2 - معرفة أن جميع الأدلة الشرعية الصحيحة يجب اتباعها والعمل بها لكن لا ينظر الباحث في القياس والأدلة المختلف فيها إلا عند فقد النص والإجماع؛ إذ لا اجتهاد مع النص أو الإجماع.

3 - الأدلة الشرعية الصحيحة متفقة لا تتعارض البتة؛ فإذا وجد نصان متعارضان لا يمكن الجمع بينهما بطرق الجمع المعتبرة عند أهل الشأن؛ فأحدهما إما غير ثابت وإما منسوخ.

وإذا وجد تعارض بين نص وقياس فأحدهما غير صحيح.

4 - الأدلة منها السمعي ومنها العقلي، وكل منهما قد يكون قطعياً وقد يكون ظنياً؛ فالأدلة القطعية أياً كانت لا تتعارض بالاتفاق؛ لأن تعارضها يلزم منه اجتماع النقيضين، وهو محال.

وإذا تعارض قطعي وظني عمل بالقطعي سمعياً كان أو عقلياً؛ لأن الظن لا يرفع اليقين (4).

5 - القول بالتعارض بين الأدلة شديد، ولذا فالواجب التثبت من صحة الأدلة، والتعمق في فهمها (5)، والحرص على درء التعارض بينها بقدر الإمكان.

6 - على الباحث حين يقوم بمناقشة الأدلة والترجيح بين الأقوال أن يحذر من الوقوع في إحدى ظاهرتين:

الأولى: التفريط والتساهل في عرض الأحكام وتقريرها باسم التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم.

الثانية: التضييق على الناس والتشديد عليهم باسم الانضباط بالشرع والمحافظة على الأصول.

7 - التعارض المعتبر الذي يحتاج إلى نظر هو الذي يقع بين الأدلة الظنية؛ فإذا وقع تعارض بين دليلين ظنيين فالواجب على الترتيب: الجمع إن أمكن، فإن تعذر الجمع وعرف التاريخ قيل بالنسخ؛ فإن لم يعرف المتأخر فعلى الباحث أن يلجأ إلى الترجيح لأحدهما بدليل؛ فإن عجز عن الترجيح فالواجب التوقف (6)؛ فإن اضطر إلى العمل، وكانت هذه حاله فليقم بتقليد أحد المجتهدين (7).

- لا بد لطالب العلم أثناء الترجيح من التأني في إطلاق الأحكام وعدم التسرع في الجزم والصرامة في الأحكام التي يختارها، وأن يتجنب إطلاق ألفاظ التحليل والتحريم، والحق والباطل، والصحة والخطأ بقدر الإمكان إلا عندما يكون متيقناً من أن الأمر كذلك، قال الأعمش: «ما سمعت إبراهيم يقول قط: حلال ولا حرام، إنما كان يقول: كانوا يكرهون، وكانوا يستحبون» (8)، وقال الربيع بن خثيم: «إياكم أن يقول الرجل لشيء: إن الله حرم هذا ونهى عنه، فيقول الله: كذبتَ، لم أحرمه ولم أَنْهَ عنه. قال: أو يقول: إن الله أحل هذا وأمر به، فيقول: كذبتَ، لم أحله ولم آمر به» (9)، وقال مالك: «لم يكن من أمر الناس ولا مَنْ مضى من سلفنا ولا أدري أحداً أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا، ونرى هذا حسناً، ونتقي هذا، ولا نرى هذا)» (10).

- حينما يختار الباحث قولاً، ويقوم بمناقشة الأقوال الأخرى، وبيان أوجه رجحانها، فلا ينبغي له تجاوز نقد الأقوال إلى أصحابها، والتشنيع على المخالفين وتسفيه آرائهم، بل عليه التأدب معهم، والتماس العذر لهم بقدر الإمكان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير