ومن الفوائد واللطائف الحديثية أن المعنيين قد اجتمعا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن ناسًا من الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء، فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشًا ويدعنا وسيوفنا تَقْطُر من دمائهم. قال أنس: فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدًا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مَا كَانَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟». قال له فقهاؤهم: أما ذوو آرائنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أُعْطِي رِجَالاً حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَرْجِعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَوَاللَّهِ مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. فقال لهم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْحَوْضِ» قال أنس: فلم نصبر (12)
أما في الاصطلاح فالحديث هو: ما أضيف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف، وكذلك أقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم. هذا أجمع ما قيل في تعريف الحديث وهو مقتضى كلام أهل الحديث، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الحديث النبوي هو عند الإطلاق ينصرف إلى ما حُدِّثَ به عنه بعد النبوة من قوله وفعله وإقراره (13) وهناك أقوال أخرى ستَرِد في موضعها إن شاء الله تعالى.
التعريف الثاني لعلوم الحديث باعتباره مركبًا إضافيًّا يلقب به هذا الفن المعين:
فهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين:
1 - علم الحديث رواية.
2 - علم الحديث دراية.
تعريف علم الحديث رواية:
علم يشتمل على ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته الخَلقية والخُلقية، وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها، وما أضيف إلى الصحابي أو التابعي كذلك.
فموضوع علم الحديث رواية البحث فيما ينقل لا في طريق النقل.
وثمرته الصون عن الخلل في نقل الحديث، وذلك بالمحافظة عليه وروايته كما ورد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ» (14)
تعريف علم الحديث دراية:
علم بأصول وقواعد يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد
والسند:
لغة: مُعْتَمَدُ الإنْسانِ (15)
واصطلاحًا: سلسلة الرواة الموصِّلة إلى المتن.
أو: طريق حكاية المتن (16)
و الإسناد: إضافة الحديث إلى قائله. (17)
أو: هو مرادف للسند اصطلاحًا
وأحوال السند: ما يطرأ عليه من اتصال أو انقطاع أو تساهل في سماع رواته أو سوء حفظهم أو اتهامهم بما يخل بالمروءة أو غير ذلك.
والمتن:
لغة: المَتْنُ من كل شيء ما صَلُبَ ظَهْرُه (18) أو ما صَلُبَ من الأرضِ وارْتَفَعَ (19)
واصطلاحا: هو غاية ما ينتهي إليه السند من الكلام (20)
وأحوال المتن: ما يطرأ عليه من رفع أو وقف أو صحة أو ضعف أو شذوذ أو علة أو غير ذلك.
وموضوع علم الحديث دراية: السند والمتن من حيث القبول والرد
وثمرته: تمييز الأحاديث المقبولة فيعملبها، والمردودة فلا يعمل بها.
الفرق بين علم الحديث دراية ورواية:
¥