فإن كثيرا من الناس يعلمون فضيلة متبوعهم إما في العلم أو العبادة ولا يعرفون أخبار غيره حتى يوجد أقوام يعظمون بعض الأتباع دون متبوعه الذي هو أفضل منه عند التابع وغيره لا يعرفونه فهؤلاء ليس عندهم علم ولهذا تجد كثيرا من هؤلاء يرجح المفضول لعدم علمه بأخبار الفاضل وهذا موجود في جميع الأصناف حتى في المدائن يفضل الإنسان مدينة يعرفها على مدينة هي أكمل منها لكونه لا يعرفها والحكم بين الشيئين بالتماثلِ أو التفاضلِ يستدعي معرفة كل منهما ومعرفة ما اتَّصَفَ به من الصِّفاتِ التي يقعُ بها التماثلُ والتفاضلُ كمن يريد أن يعرف أن البخاري أعلم من مسلم وكتابه أصح أو أن سيبويه أعلم من الأخفش ونحو ذلك
وقد فضل الله بعض النبيين على بعض كما قال تعالى ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض
وقال تعالى {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض}
والكلام في شيئين:
أحدهما في كون المفضول يستحق تلك المنزلة دون الفاضل وهذا غاية الجهل والظلم كقول الرافضة الذين يقولون إن عليا كان إماما عالما عادلا والثلاثة لم يكونوا كذلك
وكذلك اليهود والنصارى الذين يقولون إن موسى كان رسولا ومحمد لم يكن كذلك فإن هذا في غاية الجهل والظلم بخلاف من اعترف باستحقاق الاثنين للمنزلة ولكن فضل المفضول فهذا أقل جهلا وظلما ... 3
يقول شيخ الإسلام:
وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُخْبِرُ عَنْ هَذِهِ الْفِرَقِ بِحُكْمِ الظَّنِّ وَالْهَوَى فَيَجْعَلُ طَائِفَتَهُ -وَالْمُنْتَسِبَةَ إلَى مَتْبُوعِهِ الْمُوَالِيَةَ لَهُ - هُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ وَيَجْعَلُ مَنْ خَالَفَهَا أَهْلَ الْبِدَعِ. وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ.
فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ لَا يَكُونُ مَتْبُوعُهُمْ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ؛ وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَمَنْ جَعَلَ شَخْصًا مِنْ الْأَشْخَاصِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّهُ وَوَافَقَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ خَالَفَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ - كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطَّوَائِفِ مِنْ اتِّبَاعِ أَئِمَّةٍ فِي الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالتَّفَرُّقِ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ؛ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَتْبُوعٌ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْم أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَأَعْظَمُهُمْ تَمْيِيزًا بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا وَأَئِمَّتُهُمْ فُقَهَاءُ فِيهَا وَأَهْلُ مَعْرِفَةٍ بِمَعَانِيهَا وَاتِّبَاعًا لَهَا: تَصْدِيقًا وَعَمَلًا وَحُبًّا وَمُوَالَاةً لِمَنْ وَالَاهَا وَمُعَادَاةً لِمَنْ عَادَاهَا
الَّذِينَ يَرْوُونَ الْمَقَالَاتِ الْمُجْمَلَةَ إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ؛ فَلَا يُنَصِّبُونَ مَقَالَةً وَيَجْعَلُونَهَا مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ وَجُمَلِ كَلَامِهِمْ إنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ بَلْ يَجْعَلُونَ مَا بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ وَيَعْتَمِدُونَهُ وقال:
... وقد قلت ـ فيما مضى ـ: ما ينبغي لأحد أن يحملَه تحنّنُه لشخصٍ وموالاتُه له على أن
يتعصبَ معه بالباطل أو يعطل لأجله حدود الله تعالى! ....
وقال أيضاً:
¥