لا أقل ولا أكثر. ونحن أمام عمل إبداعي مثل (العجوز والبحر) لهنجواي ننسب البطولة للعجوز،
لكن هناك بطولة لشخصيات أخرى أشد ضراوة في مقاومة الظروف وتحدي الصعاب .. وأشد
إصراراً على تحقيق هزيمة ساحقة بالعجوز الذي لم ينهزم لأنه يقول في النهاية: إن الإنسان قد
يتحطم ولكنه لا ينهزم. فلدينا البحر الذي يشارك العجوز هذه البطولة، وكذلك سمك القرش الذي
يشاركه أيضاً هذه البطولة، فنحن في هذا العمل الإبداعي أمام ثلاث شخصيات تتساوى في
الأهمية: سانتياغو العجوز، والبحر الذي يقود الأحداث إلى المجهول، وأسماك القرش التي تصر
على إلحاق الهزيمة بالعجوز. الشخصية الإنسانية ليست شرطا فالشخصية الرئيسية أو البطل في
القصة أو الرواية لا يشترط أن يكون إنساناً، قد يكون الزمان، أو المكان، أو الطبيعة، أو أحد
المخلوقات التي يستصغرها الإنسان، فإذا هي تقوم بأعمال خارقة تبعث على الحيرة والتأمل في
ملكوت الخالق، ونحن عندما نتحدث عن المكان ـ مثلاً ـ كبطل لقصة ما، فإننا لا نتحدث عن
فلسفة الزمن، ولا عن الزمن بمعناه الميكانيكي، بل باعتباره الإطار الذي يمكن أن يستوعب
مجموعة من الأحداث والشخصيات .. يتحكم في توجيهها وفق معايير معينة ليصبح هو البطل
الحقيقي في النهاية، وكذلك عندما نتحدث عن المكان ـ مثلا ـ فنحن لا نتحدث عن ماهية
المكان، ولا عن المكان بمعناه الهندسي، بل باعتباره بعداً مادياً للواقع، أي الحيز الذي تجرى فيه
ـ لا عليه ـ الأحداث، والمساحة التي تتحرك فيها ـ لا عليها ـ الشخصيات. بمعنى أن تأثيره
يصل إلى حد التحكم في مسار تلك الأحداث والشخصيات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المقصود
بالزمن هنا لا علاقة له بالتاريخ، حتى لا يلتبس علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة
تاريخية .. بطلها الزمن. كما أن المقصود بالمكان هنا لا علاقة له بالأيديولوجيا، حتى لا يلتبس
علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة ذات أيديولوجيا محددة .. بطلها المكان .. ويمكن اعتبار
بطل قصة (في ضوء القمر) لجي دي موباسان هو الزمن. بينما يمكن اعتبار بطل رواية (
الأرض الطيبة) لبيرل باك هو المكان. ثانيا- الحدث: لم تعد القصة القصيرة تحتمل حدثاً كبيراً
يحتل مساحة زمانية أو مكانية كبيرة، بل أصبحت تكتفي بجزء من الحدث يستقطب حوله
مجموعة من العناصر التي تتآلف لتكون في النهاية ما نسميه بالقصة القصيرة. وهذا الحدث
الجزئي، وإن كان فيه إخبار عن شيء بذاته، لكن هذا الإخبار ينحصر في زاوية معينة، تاركاً
المجال لعناصر القصة الأخرى لتتكاتف وتتآزر، فتحقق النجاح للقصة القصيرة، وهذا الحدث
الجزئي أو الكلي قد يكون عادياً إذا جرد من العناصر الفنية المكونة للقصة القصيرة، لكنه يكتسب
هذه الصفة بمجرد وضعه في دائرة الضوء، ليتشكل منه عمل فني يتنامى حتى يبلغ مرحلة
النضج، بشكل متكافئ بين جميع تلك العناصر الفنية، وإن طغى أحد هذه العناصر على غيره
أحدث خللا في البناء الفني للقصة، وشوه الهندسة المعمارية لهيكلها العام. واقع وخيال قد يكون
الحدث من الواقع، وقد يكون من الخيال، لكن هذا الحدث في النهاية يرتهن ـ وبطريقة غير
مباشرة ـ بنظرة المبدع الذي حاول استقاءه من الواقع، أو استحضاره من الخيال، معتمداً في
ذلك على روافد ثقافته العامة، بما فيها من مخزون تراثي وتربوي وبيئي، وهذه العوامل لا
تكوِّن إبداعه فقط، ولكنها أيضاً تكون مجمل شخصيته كإنسان. إن تأثيرها واضح على أعماله
الإبداعية بجميع عناصرها ومنها الحدث. فالمبدع هو الذي يملك حق إطلاق سراح هذا الحدث،
أي من مجرد فكرة .. إلى بداية لواقع معاش ولكن على الورق. تأثير مختلف والحدث هي وظيفة
يقوم بها فاعل معلوم أو مجهول ـ كما يريد المبدع ـ لكن هذه الوظيفة لا يتم أداؤها دوماً بشكل
يرضي الجميع، لذلك يكون التأثير مختلفاً من حدث لآخر، أو ـ بمعنى أكثر دقة ـ من مبدع
لآخر، وهذا الاختلاف هو التنوع الذي تفرضه الحياة بكل ما فيها من خير أو شر .. من تناقض
وانسجام بين الأشياء .. من سلب وإيجاب في النتائج، من هنا يأتي هذا التنوع في المواد التي
يبنى منها الحدث، ابتداء من مادته الأولية التي يتشكل منها، وانتهاء بتوحيد جميع مواده في
شكله النهائي وإن كان مجرد جزئي، مع ملاحظة التفريق بين الحدث والموضوع في القصة،
¥