[حكاية الأسد والأنعام]
ـ[عصام البشير]ــــــــ[18 - 10 - 2008, 12:21 ص]ـ
الحمد لله
كنتُ قرأت في (الشوقيات) حكايات نظمها أحمد شوقي، في موضوعات مختلفة، يبث فيها على ألسنة الحيوانات ألوانا من الحكمة.
وله في طريقته هذه سلف في الشرق والغرب، يحضرني منهم في الشعر الشاعر الفرنسي (لافونتين)، وفي النثر الأديب البليغ ابن المقفع في كتابه المشهور (كليلة ودمنة). لكن لشوقي تميز لا أنشط الآن لبيانه.
وهذه محاولة أولى على هذا النهج، يُقرأ ما بين سطورها، ويبحث في باطنها قبل ظاهرها.
[حكاية الأسد والأنعام]
في روضة مريعة غناءِ = تختال بين خضرة وماء
كانت سوائمٌ من الأنعام = تعيش في سعد وفي وئام
فتلك ثيران، وذي خرفان = وذي حمير .. كلهم إخوانُ
العشب فيما بينهم مقسومُ = وليس في نظامهم مظلومُ
...
وكان في جوارهم هزبرُ = فيه جراءةٌ، وفيه مكرُ
لعابُه لذي اللحومِ سائلُ = لكن تنكرتْ له الوسائلُ
فهؤلاء القوم قد توحدوا = ومنْ يهددْهم هو المهدَّدُ
لكنْ إذا بعضهمُ قد انفردْ = فليس ينجو من براثن الأسدْ
...
وذات يوم أحدُ الثيران = من طيشه قام إلى الميدان
ينازل الليث بلا تدبّر = لما جنى في فعله من منكر
فعاد توا للثرى ضجيعا = يبث من أوداجه النجيعا
أما الهزبر فانبرى خطيبا = يكثر في مقاله النحيبا
يقول: يا قومِ أنا المظلومُ = فهل أنا في فعلتي ملومُ؟
وهذه الثيران في الإجرام = تاريخها أسود ذو قتام
وبغيتي استئصال هذي الطائفة = فإنها لشرعنا مخالفة
...
هنا انبرى مقدم الحمير = يصيح في نهيقه الجهير
مستنكرا منددا مسفّها = قد أصبح الحمار من أولي النهى!!
وقال في فور من الحماس = هذي يدي لبيعة الدّرباس
أطيعه في نهيه والأمر = وليس لي في عهده من غدر
فراق للهزبر ذي الأفكارُ = وقال: أنت أنت يا حمارُ
لك الرضا مني بلا تأخيرِ = دوما، وعاشت فطنة الحميرِ!
...
ثم أتى من وسط الصفوف = كأنه يساق للحتوف
كبش عليه ذلة الخرفان = مطأطئٌ، مرتعش الأركان
فلم يذرْ مقالة لقائل = وما استحق لومة من عاذل
وكان مما قال في الخطاب = مستلهما روائع الآداب:
يا سيدي رضاك منه نسعد = وفيه عزنا، وفيه السؤدد
إن شئت فاجعل بعضنا وزيرا = أو مستشارا بارعا قديرا
فنعم شغل المرء في السياسة = فإنها مجامع الكياسة
هناك صاح الليث في حبور: = مرحى لهذا المصقع الخطير
مني لك الرضا مدى الأزمان = يا كبشُ: عاشت عزة الخرفان!
...
وانفض هذا المجلس المشؤوم = والليث فيه غالب لئيم
وقام للثيران بالتقتيل = وصحبُهم أذل من ذليل
وبعد حينٍ قام للحمير = يجعلهم من أكله الأثير
ثم إلى الطائفة الذليلهْ = يروي بتقتيلهمُ غليله
حتى إذا لم يبق غيرُ واحدِ = قال له الليث بصوت بارد
(كيف ركبتمْ هذه الأهوالا؟) = فطأطأ المسكينُ ثم قالا:
(لا يحصل العدى على المطلوبِ = إلا بما فينا من العيوب)