تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قصة قصيرة للمسابقة ..]

ـ[بنت الشاطئ الصغيرة]ــــــــ[08 - 11 - 2008, 04:09 ص]ـ

http://www10.0zz0.com/2008/11/08/01/609214220.jpg (http://www.0zz0.com)

.: بكاء كالمطر:.

كان رحيلاً مؤلماً في ليلةٍ مُوحشة اختبأ قمرها خلف سُرادق الغيم وانتشرت

عروق البرق ليضئ وميضها وجه أمي وهي تقبلني وتنظر إليّ بعينين مبتلتين

بالدموع .. جدتي تربت على كتف أمي التي أخذتني في أحضانها وتستنهضها للرحيل ..

تُدير أمي وجهها عني وتنهض لتبتعد بضع خطوات .. تبعتها .. لكن جدتي

أمسكت بيدي أتذكر صرخاتي البريئة،وأنا أرى أمي تبتعد عني: "ماما أريد

أن أذهب مع ماما" .. تلتفت أمي إليّ قبل أن تدخل السيارة لتنطلق بعد ذلك

شاقة طريقها إلى حيث لا أدري .. !

انطلقت أعدوا خلفها .. لكن خذلتني خطاي المتعثرة فسقطت في بركة وحل ..

صوت قهقهة الرعد جعلني أتقلص أكثر على نفسي .. وزخات المطر

تشاركني بكاء بيوم رحيل أمي ..

يقترب جدي مني يحملني بين يديه .. يلمح ندبة على جبيني ستبقى تذكار

أبدياً كوشم ختم على قلبي كل تفاصيل تلك الليلة المروعة .. !

جدتي تحاول تهدئتي كلما رأتني أبكي، ودائماً تقنعني بأن أمي ستعود ..

وهي لا تفتأ من مناغاتي بأحلام اللقاء ..

وبهذه الأحلام كنت أنتظر الغد الذي سأرى فيه أمي ثانية ..

و تمر الأيام ثقيلة على نفسي ..

وأنا أقف في كل يوم على عتبة الباب أرقب في وجوه القادمين وجه أمي ... !

/

/

/

.. ..

لا زلت أذكر يوم مجلس الأمهات الذي أقامته المدرسة .. وعدتني جدتي أنها ستحضر ..

لكنها لم تفعل .. ! أسندت وجهيّ بكفيّ الصغيرتين .. وابتلت عيناي بالدموع وأنا أرى

الصغيرات وهن يركض نحو أمهاتهن ..

عدت إلى المنزل وأنا أحمل في نفسي عتاباً شديداً لجدتي .. فتحت الباب ووجدتها كعادتها

هناك في تلك الزاوية .. ! بقيت ساكنة في مكاني .. أراقبها وهي تدير الرحى وفي كل لحظة

تقاوم موجات السعال ثم تعاود عملها ثانية وحبات العرق تغسل صفحة وجهها المليء

بتجاعيد السنين .. تلاشى غضبي سريعاً .. أقبلت نحوها، وقبلت رأسها؛ فتهلل وجهها

لرؤيتي: كيف حال حبيبتي اليوم؟

قلت لها، وأنا ألقي بحقيبتي بخير ياجدتي ..

شمرت عن ساعديّ، وقلت لها بإصرار: سأساعدك ِ ..

تصدر عن جدتي قهقهة مصحوبة بسعال حاد لتقول ليّ: لا لا يا حبيبتي لا تُشغلي نفسك

هذه مهمتي وأنا سعيدة لأنني أجني من كدي هذا مال يعين ابنتي لتصبح غداً طبيبة أفخر

بها .. رفعت عينيها إلى وجهي وابتسمت ليّ .. بادلتها ابتسامتها .. ومضت تعمل بصمت ..

في كل مرة أحمل واجباتي وأنثرها بالقرب من جدتي فكنت أسترق النظر إليها وهي تعمل

بجد وصوت الرحى بات إيقاع أتناغم معه ..

أحاول في كل مرة أن أنهي واجباتي سريعاً لتمنحني فرصة المحاولة .. في البداية ضحكت

مني لأنني أدرتها بعكس اتجاهها الصحيح .. ! لكنها .. أمسكت بيدي وبحنان بدت تُمليني تعليماتها ..

- جدتي ..

- نعم يا حبيبتي ..

- الحب لن يطحن ما لم تطحنه هاتين الصخرتين بدورانها وضغطها عليه .. صحيح يا جدتي؟!

- أجل يا حبيبتي ..

بدأت أتأمل دوران الرحى، وطحنه للحب شعرت في هذه اللحظة بأنه تماما كدوران الفلك ..

كدوران عقارب الساعة كدوران الأيام التي جعلتني أكبر .. وانتزعتني في لحظة سعادة من

جوف أمي لترحل مع ذلك الرجل الغريب .. شوقي لها وانتظاري الطويل لعودتها يطحنان

قلبي تماما كحبات القمح التي تطحنها هذه الرحى التي بين يديّ .. سالت دمعة من خدي ..

مسحتها سريعاً بطرف كمي لكن جدتي لاحظت ذلك ..

- ما بكِ يا حيبيتي .. ما الذي يبكيكِ؟!

- لا شيء يا جدتي فقط اشتقت لأمي و أتساءل أن كنت سأراها يوماً ما ..

رأيت دمعة تلألأت في عين جدتي .. وهمست بحنان:بالطبع .. سترينها إذا شاء الله ذلك.

ألقيت بنفسي في حضنها الدافئ وامتزجت دموعي بدموعها ..

كانت المرة الأولى التي أرى جدتي تبكي بعد زواج أمي ورحيلها بعيداً عنا .. فأقسمت

أن أحتفظ بمشاعري في قلبي .. وأن لا أزعجها مرة أخرى ..

/

/

/

مرت السنين .. ولا شيء يتغير .. سوى أنني كبرت قليلاً وأصبحت فتاة يافعة .. و جدتي

تشيخ أكثر وحالتها تسوء وتسوء .. حتى الرحى لم أعد أسمع صوتها سوى في القليل النادر ..

/

/

/

في ذلك اليوم الحزين عدت من المدرسة ورأيت سيارات غريبة وأفواجاً تدخل إلى بيت

جدتي وأخرى تخرج .. انقبضت نفسي انقباضة شديدة عندما شاهدت سيارة الإسعاف

واقفة أمام الباب ألقيت بحقيبتي .. وركضت إلى غرفة جدتي .. الكل يدفعني إلى الخارج

أتجاوز كل محاولاتهم لإقصائي عن هذا المكان .. وأدخل لأرى جدتي مُسَجّاة بغطائها

أقبلت نحوها وبهدوء كشفت عن وجهها لأراها ساكنة .. اقتربت أكثر وهمست في

أذنها جدتي هذه أنا ابنتكِ " هدى " قد عدت من المدرسة لم تنهض إليّ لتستقبلني

لم تمد يديها إليّ لتحتضنني كما كانت تفعل عند عودتي من المدرسة .. ألقيت بنفسي بين

جنبيها وطفقت أقبل جبينها البارد .. لكنهم جذبوني بعيداً عنها ..

وحملوها إلى سيارة الإسعاف. لذت بحجرتها حيث لا أحد هناك .. فجدتي لن تعود ولن أراها

بعد أن لفها الموت في عباءته .. وبقيت وحدي هنا في هذه الحجرة أرثي وحدتي، وأبكي

على مشهد الوداع الأخير ..

وميض من البرق يضيء ظلمتها .. وصوت الرعد يعبث ببقايا قلبي المنفطر .. أتقلص على

نفسي .. وأضم ركبتيّ إلي صدري .. أسد أُذني بأصبعيّ .. وأغمض عينيّ ..

أنه مشهد الرحيل والبكاء يتكرر .. !

صوت وقع أقدام تقترب مني .. لم أستطع رفع عيني نحوها .. شعور بالخوف سيطر عليّ ..

الخطوات تقترب .. يد ما تمسك بذقني وترفع وجهي للأعلى .. أفتح عيني قليلاً

لأرى .. وجه أعرفه جيداً أنها .. أمي ألقيت نفسي في حضنها وامتزجت دموعي بدموعها

في مشهد تشاركني فيه السماء دائما.

تمت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير