تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ورقة صغيرة -مجرد أرقام قصة قصيرة (خاصة بالمسابقة)]

ـ[الباحثة عن الحقيقة]ــــــــ[06 - 11 - 2008, 12:50 م]ـ

ورقة صغير ــ مجرد أرقام

وظل يمشي ويمشي .. وقد ضل الطريق .. وقل من حوله الرفيق .. ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وغشيت عينيه غمامة سوداء عتمت عليه الليل، هي أقتم من سحاب السماء في هذا الليل الممطر .. لم يعد يسمع هزيم الرعد فرعود قلبه تصمه .. ولم يعد يشعر بالبلل من المطر المنسكب فلعينيه وابل أشد ونار قلبه أشعلت برد تشرين .. إنه لا يرى أمامه إلا وجهها الملائكي .. بسمتها .. أسنانها الصغيرة المتراصة، أصابعها التي طالما عبثت بشعره ومسحت وجنتيه، وتلكما العينان السوداوان اللتان حوتا براءة الملائكة وطهرها .. وانفلتت منه آهة طويلة كتمها منذ زمن .. منذ أعلمه الطبيب أن قلب ابنته الحبيبة ليلى بحاجة إلى عملية جراحية سريعة .. وكل تأخير سيعرضها لخطر الموت .. هو الموظف البسيط في البلدية قسم مقاولات البناء ..

رباه .. يا سامع النجوى يا كاشف البلوى .. رباه .. إلى من تكلني؟! إلى أهلي المعدمين؟! أم إلى راتبي القليل؟! أم إلى أصدقائي الذين تخلوا عني؟! .. إنها ليلاي .. قرة عيني .. فلا تفجعني بها يا إلهي .. وازدادت دموعه انهماراً .. أسند ظهره إلى أحد الجدران ورفع رأسه إلى السماء واختلطت دموعه بغيث السماء، ماذا أفعل؟؟ ترى هل ستغضب مني يارب لو .. لو .. ؟! لا .. لا .. إنك غفور رحيم .. علمك بحالي يغنيك عن سؤالي .. و .. وستسامحني، إنه مبلغ ضخم .. سيدفعونه لي، أولئك الأوغاد .. يريدون كسب مناقصات البناء في الحي الجديد .. عرفوا حاجتي فاستغلوا وضعي .. رفعوا السعر .. كم رفضت من قبل .. كم رفعت رأسي بشمم وكبرياء ورفضت الخيانة والرشوة مهما كان الثمن .. ولكنها ليلاي .. تذوي أمام عيني .. هل أتركها تموت؟! سامحني يا رب .. إنها مجرد أرقام أعطيها لهم فيتقدمون بالمناقصة .. ويقع عليهم الاختيار .. وما الضير من ذلك؟ وماذا يهم الحكومة إن فازوا هم أم فاز غيرهم؟؟. كلهم سواء .. أما أنا .. فإنها لؤلؤة عمري .. مهجة روحي ونبض قلبي .. من سيتعلق بأكتافي عندما أعود من العمل متعباً؟؟ من سيقو ل لي بلثغة الشحرور:"اثتقتلك بابا" فتتلاشى بصوتها الشجي كل متاعبي وآلامي، واستعرت النيران في صدره وتمالك نفسه ومضى نحو بيت العميل، توقف قليلاً، والتفت راجعاً وكأن شيئاً يدفعه للوراء .. ستكون سابقته الأولى في درب الشوك الأسود فهل يمضي فيه إلى اللا عودة؟؟ أم يعود من حيث أتى؟؟ وسيدبرها رب العباد الذي لاينسى أحداً؟؟ .. ولكنه عاد يتذكر وجهها الذي شحب وعينيها اللتين ذوتا، وقلبها الذي يتهاوى مؤذنة شمسه بالرحيل .. تذكر ضحكاتها التي لم تعد ترن في المنزل فتملاً ه بهجة وحياة .. ومد يده يمسح شعرها المسترسل على كتفيها .. أكمل سيره وهو يقول: لن أدعها تموت، سأقبل العرض مهما كان الثمن، وستعود إليك البسمة يا ليلى .. شد ظهره .. عاد و قرع الباب .. وفتح له رجل أدخله واستقبله استقبال الفاتحين الأبطال رحب به وأكرمه غاية الكرم .. انحنى له كما لم ينحنِ من قبل لأحد، قدم له الورقة الصغيرة .. فيها مجرد أرقام لن تضر أحداً .. وقبض مبلغاً كبيراً يفوق كلفة العملية ووعده بالمزيد المزيد .. طار إلى منزله حاملاً كنزه العظيم .. والفرح يملاً قلبه .. غداً ستجرين العملية يا ليلى .. وستعودين للمدرسة .. وستأكلين أنت وإخوتك الثلاثة أطيب الطعام وترتدون أجمل الثياب .. و ... و ..

دخل منزله إلى ليلى المريضة حملها بساعديه القويين ودار بها وكأنه يدور العالم بلحظة وكأن الدنيا صارت ملك يديه .. المال والبنون والأمل، وشيء آخر دار بسرعة ليضيعه في ثنايا النسيان .. لم يعد يلق بالاً إلى هزيم الرعد المنادي ولا إلى عتمة الليل التي حلكت فادلهمت .. وازدادت دموعه انهماراً ربما ليس من فرح بل من شيء آخر شعر أنه يودعه بين حنايا الضمير والوجدان .. اِخسأ أيها الصوت المنادي ولتدفن في الجحيم .. عادت ليلاي .. فافرح ياقلبي ولاشيء غير ..

وفي الصباح أجرت ليلى العملية ونجت من الموت ومرت سنة انقلبت فيها أحواله؛ صار أولاده يأكلون طعاماً يملأ قلوبهم لا معداتهم، ونقلهم إلى مدرسة جديدة أرقى وأفضل، ليتعلموا فن الحياة كما فهمه .. وازدادت ليلاه جمالاً وصحة، عادت ضحكاتها ترن في المنزل وتملؤه صخباً وسعادة .. كان ثمنها رخيصاً أم غالياً لايهم ..

اليوم آخر يوم في المدرسة وسيعود من عمله باكراً .. وسيذهبون بسيارته الجديدة التي جاءته هدية بعد آخر ورقة أرقام صغيرة قدمها للعميل .. سيقضون الإجازة على شاطئ البحر .. ورن هاتفه الجوال .. زوجته تبكي وتنتحب فقد سقطت جدران المدرسة الجديدة وتهاوت لتقتل أولاده الأربعة .. لا تستغربوا فالشركة التي أشادت بناء المدرسة هي شركة العميل! .. لا تبك ِأو تتحسر فهي مجرد .. ورقة صغيرة .. تحوي .. مجرد أرقام لن تضر أحداً ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير