تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

امرأة تاهت بين قدَرين (قصة قصيرة)

ـ[الأديب بدر]ــــــــ[09 - 10 - 2008, 03:27 م]ـ

التائهة بين قَدَرين

العنود ...

اسم تاه في دروب القدر ...

كانت تعيش صباها كغيرها ... تضحك ملء فمها بابتسامة يزينها لون شفتيها المشعة بالحمرة ... وتنظر إلى من حولها بعينين تقرأ من خلالها الطيبة التي تنساب على ملامح وجهها.

ترسم خطوط المستقبل ببنان غض يكاد ينعقد من نعومته ... وتستشرف القادم بنظرة تفاؤل لا يخاطرها أدني شك بما يخبئه القدر ...

كبرت وكبر معها الحلم ... ووعت على حياة جميلة في مضمونها ومفهومها ...

جاءها القدر المحتوم ... وبدأت أخبار قدوم فارس الأحلام الجميلة تتوارد على مسامعها تباعا ...

بدأ هاجس فراق أهلها يلملم أوراقه ... ويجمع شتات أغصانه إيذانا بطي آخر صفحة من صفحاته ... للانتقال إلى حياة أخرى في ظل زوج قدير، يفهم معنى الحياة، ويقدر معنى الزواج ... يحفظ للزوجة قدرها ... ويعلي مكانتها ...

لاح في أفقها طيف خاطف يشع منه فراق الأحباب والخلان ... وشوق الحبيب إلى المحبوب ... ولوعة الصديق إلى الخليل ...

حارت الأفكار في عقلها البريء ... فلم تعرف من أين تبدأ؟ وكيف تنتهي؟!!!

وكيف ستكون حياتها بعد؟!!!

لم تعرف تلك الحنونة أين موقعها من الألم والأمل ... واللوعة والحزن .... والشكوى والعلة ...

ترددت بين حمل ذكريات الشوق ... وذكرى الصبا .... فسافرت على جناح الأمل الباسم ... فوق مركب التنهدات ... في بحر مظلم من التخيلات ....

أمعنت في الأوهام فتسطر أمامها الشبح الهائم ... هل سأغادر السعادة في ليل داجٍ ... وظلام شاج ... ويوم حزين ....

هل سأعيش أضعاف ما رفلت به من النعيم ... وما نعمت به من السعادة .... أم سأحمل ذكرياتي السعيدة معي في المستقبل المؤرق ... أم سأسافر إلى حيث تأخذني الصوارف ... ويبقى قلبي معلقا بالماضي في خطراته وخلجاته ... يعوده حلمي الناعم الذي مازال ناقوسه يدق بين الفينة والأخرى في ذاكرتي ...

هل سأنسى أو أتناسى كل أيامي ولحظاتي وابتساماتي التي كانت تضيء كل أرجاء الأمكنة التي أزورها ... محاطة بنسائم العافية ... محمولة فوق الأعناق ... حاظية بالقلوب الهائمة بحبي وتقديري ...

أفكار كثيرة راودتها ومرت بسرعة البرق الخاطف ... ورقة النسيم العابر ... لكنها تفصح عن الحقيقة ...

فليست نزوة عابرة ... أو خيالا عابثا .... أو جنونا مفتعلا ...

... تواترت الأخبار إليها عن الفارس المجهول ... وعاشت التناقضات بين القبول والرفض ... والتأييد والاستنكار ... وكل يقدم أدلته ... ويبرز براهينه .... والمسكينة تسمع من هنا ... وقلبها يتلظى من هناك ...

لم يلق الفارس المجهول عناية الأسرة ... ولم يحظ بالقبول لدى المحيطين بتلك الجوهرة ...

كانت البداية متعثرة لكثرة ما توارد عن الفارس المغمور من كلام لا يرضى الطموح ... ولا يصل إلى مستوى القناعات ...

وعلى العادة قضوا الأيام في الكلام عنه وعنها تجريحا ولوما ...

كرر والدها العتاب على مسامعها ... وبالغ في صرفها عنه ... حتى وصل به الحال إلى تعنيفها ....

كانت مطرقة لا ترفع رأسها ... ولا يسمع منها غير ترداد النفس ... وخفقان القلب المكلوم ...

لم تكن تبالي بحديثه ... أو تهتم بأحاديثه ... أو تعتني بمشاعره ...

قسا عليها كثيرا ... وأضناها بوصفه أكثر ... غير أن كلامه لم يترك أثرا في قلبها بقناعتها ورضاها ... مسكين هو ... كان يظن أن الكلام أقوى من الحب ... أو أن القسوة ستغير مشاعرها ... أو ستبخر العاطفة من قلبها ...

انطلق صمتها في لحظة عابرة بين الجميع ... فأصابهم الوجوم ... حين أعلنت الرضا ... والقناعة ... والتسليم بالفارس المحطم ... فاستسلموا لإرادتها .... وأذعنوا لمطالبها ... حين قطعت الصمت الرهيب بكلمات منعتها الزفرات من تصعيدها ... تركوا لها الاختيار بعد أن أتعبوها رأيا ونصيحة ... وهي تدفع عن الفارس كل نقيصة ... وترفع عنه كل عيب ... لأنها بحثت عنه في الأساطير ... وأوراق القصاص ... وبين الكلمات ... وثنايا السطور ...

لا همّ لها إلا القلب الصادق الحنون ...

كانت تتوقع أن يزيدها من بوح العشق ... ويذكي جذوتها الحنونة ... ويعزف ألحان الغزل ليبدأ معها لحن الغرام ... توقعت أن يعطف عليها ليرويها من فيض أحاسيسه الذائبة بروعة جمالها ...

توقعت أن يخلص لها الحب ... وأن يمنحها الود ... ويهبها المحبة ... فقد انتظرته كما تنتظر الصحراء قطرات المطر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير