تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[إلى ذات الجسور]

ـ[عيسى ابراهيم الشراك]ــــــــ[25 - 11 - 2008, 06:06 م]ـ

لم أكن لاصدق أن للمكان روحا كما البشر، رغم أنني كنت أسمع ذلك كثيرا فأحسبه لجهلي ضربا من ضروب الإستعارات، أو شطحة من شطحات الشعراء ومن تبعهم من الغاوين، إلى أن قدر لي أن ألمس ذلك وأراه.

فكلما زرت مدينة قسنطينة أجدني أسير مجال من التيارات والكهارب وتتسرب إلى داخلي سيالات روحية تلهمني أن أقول وأفعل.

احس ارواح من مروا بالمكان تعابثني، تناجيني، وأنا أهيم في السويقة، أو أقطع إلى الضفة الأخرى لودي الرمال سواء عبر جسر سيدي راشد أو جسر سيدي مسيد أو جسر القنطرة.

وكم يلفني الغموض وأنا أدرج عبر جسر الشيطان أو جسر الشلالات حين يتناهى إلى مسامعي خرير المياه مازجه صدى المالوف يأتي من بعيد ليشكلا معا سمفونية ملائكية رائعة، ليس هذا فقط فحيثما وليت وجهي أجد قسطنطين واقفا حيالي أو نابليون أو صالح باي، وكأنني في معرض لتماثيل الشمع.

أحيانا يخيل لي انني أرى الشيخ بن باديس يعبر الأزقة العتيقة مسرعا غلب حرصه على الوقت وقار العلماء فيه، فلا تكاد عيناي تتبعانه حتى يختفي عني في الجامع الأخضر أو مسجد سيدي قموش.

أو قد تراني أطارد شبح مالك بن نبي وهو يعبر الحي الفرنسي أو يتجول في أزقة اليهود مغرقا في تفكيره.

كل ذلك وأنا أجد شذى عطر غريب موغل في القدم يأتي من بعيد، مؤكد أنه لا وجود لهذا العطر ولا لتلك الخيالات، إنما هي روح المكان جبارة طاغية تغلب على كل شيء.

قسنطينة التي أولعت بها أول ما ألتقيتها في صباي و صار يعيدني إليها حنين جارف كلما أطلت الغياب، ولست لوحدي، فحتى الأموات يعز عليهم فراقها فتضل أرواحهم متشبثة.

لذلك عندما طلب مني أن أنظم أبياتا في ذكرى الشيخ بن باديس، إستلبتني ذكرى المكان وتمرد قلمي ووجدتني أكتب هذه الأبيات.

إلى ذات الجسور ..

لما جئت أطلب للمقام مقال ... وكأن دأبي أن أروم محال

هيهات سرتا لم أجئك مغامرا ... أو شاعرا يرجو قراً ونوال

لكنه نذر رجوت وفاءه ... ومنازل هيجن لي بلبال

وأنا الشغوف بمدح أرباب النهى ... ومنازل حطو بها الأرحال

وتنسم العبق التليد غوايتي ... من وصل فاتنة تتيه دلال

هي سرتةُ الأمجاد يعبق تربها ... بعبير أعلام مضو أبطال

خدموا المحابر والمنابر والوغى ... وبقت مآثرهم تشع جلال

روح المكان تشربت أرواحهم ... أنى خطوت تحسهم مُثّال

وإذا أصخت سمعت ثّم حسيسهم ... مزج الملوف (1) به فصار زلال

ما قرطبا التاريخ ما بغداده ... ما حاضرا بيروت ـ خل جدال

مالقيروان وما قرطاج عندهموا ... وما دمشق وما الشهباء أبدال

ما الفضل إلا لسرتا حين مفخرة ... وكم يفاخر أهل العلم جهال

ألقت عصى موسى بقدرة ربها ... لكنهم ألقوا عِص وحبال

قالوا وكان الهزل ميدانا لهم ... وأبيت إلا الجد والأفعال

أتعبت خيل الفاتحين تحصنا ... وسموت عن كف الطغاة منال

كم فيك من ترب تضرج بالدِما ... وكفى به وادي الرمال ثِفال

إن شدت الأرحال نحو ثلاثة ... أولى لمثلك أن تشد رحال

ولولا اختيار الله موضع بيته ... لحججت نحوك محرما إجلال


(1) الملوف: طابع غنائي شعبي يميز مدينة قسنطينة
ولمن لا يعرف مدينة قسنطينة فليزرها عبر هذا الرابط ( http://www.cirtamuseum.org.dz/index1.htm)

أنا في أنتظار نقدكم وأرائكم فلا تبخلوا علي بارك الله فيكم.

ـ[أبو سهيل]ــــــــ[26 - 11 - 2008, 04:36 ص]ـ
إن شدت الأرحال نحو ثلاثة ... أولى لمثلك أن تشد رحال
ولولا اختيار الله موضع بيته ... لحججت نحوك محرما إجلال

احذر يا أخي أن يذهب فخرك ببلدك ببعض أصول دينك

ـ[عيسى ابراهيم الشراك]ــــــــ[27 - 11 - 2008, 01:45 ص]ـ
احذر يا أخي أن يذهب فخرك ببلدك ببعض أصول دينك

شكرا على الزيارة وعلى التنبيه اخي أبو سهيل.
كن مطمئنا فالشعراء يقولون ما لا يفعلون.

ـ[الباز]ــــــــ[27 - 11 - 2008, 02:21 ص]ـ
أخي الشاعر الجميل عيسى ابراهيم
القصيدة جميلة عذبة ..
استمتعت بما جادت به قريحتك الفذة ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير