تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مقلب ... محاولة ثانية]

ـ[د. مصطفى صلاح]ــــــــ[19 - 11 - 2008, 08:49 م]ـ

هذه محاولة ثانية، قصة طويلة نوعا تحت عنوان " مقلب:) "

و هنا ملاحظة: أني أكتب لأتعلم، لا لأني محترف الكتابة، فهذا ثاني عمل لي على الإطلاق، لذا أود من الأساتذة النظر له من هذا المنظور، و إبداء النصح و الارشادات، و جزاكم الله خيرا مقدما ..

======

ضم " راغب " راحتيه و أطبقهما على كوب الشاي الدافئ الذي ما تزال الأبخرة تتصاعد منه .. محاولا استمداد شيئا من الدفء في هذا الجو البارد من شهر "ديسمبر"، قرّب الكوب من شفتيه .. فاستنشق أبخرته التي نفذت إلى أعماقه و تخللت روحه ... فأحس بالخدر يسري في أعصابه، فأرخي جلسته و أسند ظهره إلى الكرسي و أغمض عينيه ..

" هذه الدنيا ما لها أمان " ... تسللت تلك الكلمات كالحلم إلى أذنيه، من أحد رواد المقهي .. فارتسمت على شفتيه ابتسامة، فهو يعرف هذا الرجل_ الحاج حسن_ .. كثيرَ التردد على المقهي، منذ أن خرجَ على المعاش، كثيرَ الشكوى من الدنيا و تقلباتها .. ، فبعد أن كان يحسِبُ له الكل ألفَ حساب، و يرتجفُ أقواهُم فؤادًا قبل لقياه، أصبحَ الآن أثرًا بعد عين .. لا يُؤبه له .. و لا يُلتفت إليه .... فاتخذ لنفسه ركنا دائما في المقهي، و للشيشة نديما مصاحبا ...

" أه .. و الله يا عباس يا أخي مالها أمان .. " قالها لزميله الجالس جواره،

ثم أخذ نفسا من " الشيشة" و قال و قد ارتفع صوت قرقرتها .. :

" لو تراني و أنا كالأسد أصول و أجول، أصرخ في هذا، و أعترض على هذا، و أعاقب هذا .... "

قطع عبارته على إِثر نوبة متواصلة من السعال الحاد ... ، يحاول أن يكمل كلامه فلا يستطيع .. ، يحمرّ وجهه وتبدو مخايل الاختناق عليه .. ثم يهدأ قليلا .. ويعاود سحب أنفاس متقطعة .. ويقول:

" .. هيه .. أيام .. "

تركه " راغب " يستكمل تذمره و شكواه، و إن اتفق معه في كلمته تلك، فالدنيا غدّارة، ما لها أمان، قد تناوشته بالخطوب، و أثخنته بالجراح، فأصبح فيها تائها ... مثلُه في الدنيا، كمثل بعير ضلّ في فلاةٍ شاسعة .. لا أولَ لها و لا آخر .. أو كمسافرِ ركب لُجّةَ البحر بلا زاد أو متاع ...

ارتشف رشفة أخرى من مشروبه، و أبتْ ذكرياتُه إلا أن تنطلقَ من عقالها، و تفكّ أسارَها، فانطلقتْ كالمجنونة هنا و هناك، فأحدثت دويّا صاخباً في نفسه، و ترددَ صدى حركاتِها في جنبات عقله و روحه ...

تذكر كيف كان متفوقًا طول حياته، و كيف كان يفتخر نهايةَ كلِّ عام، و هو يحملُ شاهدتَه إلى والدته، ثم يستمتعُ بنظراتِ الفرحة التي تطل من عينيها الصافيتين،اللتان يشتاق إلي رؤياهما جدا، خاصة بعد وفاة والده أوائلَ العام قبلَ الماضي في حادث أليم .. منذ ذاك الحين، و هي لا تبتسمُ إلا لنجاحِه، و لا تفرحُ إلا بتفوقِه، فكانَ ذلك يدفعه إلى بذلِ مزيدٍ من الجهد في سبيلِ إبقاءِ تلك البسمةِ على شفاهها ....

-" أمي " ..

- " لبيك حبيبي .. "

نظر إليها نظرة تضرع. نظرة حملت لأمه كل مشاعر الحب الصادق. و لم يجب ..

-" ما بك حبيبي؟ و لم تنظر إلي هكذا؟ .. "

-" أمي، ما أجمل ابتسامتك! "

تنهدت الأم، و ابتسمت، ثم ضمته إلى صدرها و قالت:

-" أنت أجمل ما في الدنيا يا صغيري .. "

استكان على صدرها الحنون قائلا لنفسه:

-" سأقتل نفسي مذاكرة حتى تظل تلك الابتسامة الجميلة على شفتيك يا أمي .. "

و لم يكذب ماقاله .. فعملَ بجد و اجتهاد طوال سنواتٍ عديدة، يتفوقُ فيها الواحدةَ تلو الاخرى .. ، انتهي من الثانوية، و انتقل للجامعة، تفوق في كل سنوات الدراسة .. حتى كان ذالك اليوم .. الذي استلم فيه شهادته الجامعية ..

فعاد مسرعاً ليبشرَ أمه .... فما أن دخل إلي بيته حتى استقبلته المصيبة الكبري،التي فُجع بها و ...

*********

" راغب " .. " راغب " ...

" هيه .. أين ذهبت .. "

انتفضَ " راغب "، و اعتدلَ في جلسته، و شكرَ صديقه " عليا " على انتشالِه من أحلك فترات حياته .. و أكثرها مرارة و ألماً فالتفت إليه ممتنا .. :

" لا شيء يا علي فقط .. سرحت قليلا .. "

ابتسم " علي " قائلا:" و لكن الشاي قد برد .. سأعمل لك واحدا آخر .. "

ثم غمز بعينيه:

" علي حسابي .. "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير