تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بيروقراطية الكرسي والمنظومة الأخلاقية (مقالة)]

ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[14 - 11 - 2008, 04:52 م]ـ

بيروقراطيَّة الكرسي والمنظومة الأخلاقية

(مقالة)

- تقف أمام باب إحدى الدوائر، فترى آذناً (بيروقراطياً) قد تربَّع على كرسيّه، والجموع الغفيرة أمامه طابوراً، ليختار بهواه تيسير أمر مَن يريد لما يريد!؛ كما أنك قد تقف أمام مكتب رئيس الدائرة (الأخلاقي) - ولا أقول (الديمقراطي) لأنني على خصام مع ديمقراطية العصر (إن وجدت) - فيجعل قلمه إماماً عادلاً فوق أوراق المعاملات، متناسياً أنه على كرسي الإدارة ...

- في أحدى الدول المزدحمة، التي خط الفقر عليها خطا عريضا، تقف على أوتوستراد ما، تلوّح بيدك لأكثر من سائق تكسي (بيروقراطيّ)، يطاوعك أحدُهم، يشقُّ نافذة باب السيارة ليعلو صوت الموسيقى التي لا تُسمعك شيئاً، ليسألك من وراء كرسي القيادة:

"إلى أين؟ ومن أين؟ وما هو اسم أبيك؟ وأين ولد جدك؟ .. "، ثم بعدها، إذا رضي عنك، يختار هو الطريق والجهة لينال غايته من دون حول منك ولا قوة؛ وقلَّما تجود لك الساعات، التي أمضيتها واقفاً- قاعداً على قارعة الطريق، بسائق (أخلاقي)، أي ليس جزَّاراً ولا قصاباً ولا محققاً ولا مصاص دماء ...

- يقف المعلم (الأخلاقي) أمام طلابه ينقش في عقولهم ضميرا حرا، ومنظومة أفنى عليها وقته وجسده، كما يقف معلم (بيروقراطيّ) لينقش بالفراغ ما جلبه له حظه وماله من فلسفة فراغية، ويترك ضميره في حقيبته التي يحملها ليقال عنه معلما .. ويترك الأخلاق تنادي:

تصدر للتدريس كل مهوس = بليد يدعى بالوجيه المدرس

فحق لأهل العلم أن يتمثلوا = ببيت قديم شاع في كل مجلس

لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها = وحتى استامها كل مفلس

كثيرة هي الوقفات التي تكسر ظهر يومك أمام أخلاقي وبيروقراطي، لكن هل سألت نفسك مرة، هل تعتبُ على كرسي السائق أو الآذن، أم إنّك تعتبُ على السائق والآذن نفسهما؟! ...

ليس الجواب بمحيّر، فالكرسي- مهما عَظُم أو صَغُر- ليس إلا جماداً، لا يسمنُ ولا يغني من جوع، لكنك (أنت) من تجعل له حسّاً وصوتاً، تجعل منه أخلاقياً أو غير أخلاقي؛ فعندما تركب على قدم واحدة في حافلة النقل، وقد ركبتْ في الوقت نفسه فتاة على القدم الثانية، ترى شاباً يقعد معتزاً على كرسيه- وليس كمثله أحد- قطَّبَ حاجبيه، وشَكَل رأسه باتجاه ما، وعلى الدُّنيا من بعده السلام، ثم ترى رجلاً طاعناً في السّن، يبتسم، متخلياً عن مقعده لتلك الفتاة ...

إذاً .. ليس العذر في كرسيّ حافلة النقل، لكن العذر بـ (عنترة) الذي يمتطيه، بمعنى آخر، إنّ المنظومة الأخلاقية في المجتمع هي التي تملك الحكم على مصير ذلك الكرسي (بيروقراطياً كان أم أخلاقياً)؛ ولا شكَّ أنّ السؤال الآتي يراودك:

هل نفتقدُ الأخلاقَ في توجيه من يتربَّعون على عرش كراسيهم، أم إننا نحتاج إلى موجةً (تسوناميَّة) تقضُّ مضجع الرقيب الداخلي فينا- إن وُجد-؟ ..

لا عجب إن قلنا: لا تنقصنا المنظومة الأخلاقية، وإنما الخلل هو خلل الذات، خلل في الضمير الذي أصبح ضميراً مستتراً وجوباً تقديره (أنت) عند البعض، ومستتراً جوازاً تقديره (هو) عند بعضهم الآخر، وحُقَّ لإبراهيم الأسود أن يقول:

عوراتنا أصبحت للعين ظاهرةً = أمَّا الضميرُ لدينا فهو مستترُ

لابدَّ لضميرنا أن يظهر، ولابدَّ أن نحيي (أنا وأنت، هو وهي، أنتم وأنتنّ ... نحن) تلك المنظومة الأخلاقية ..

ولابدَّ- نهاية- أن نطرد البيروقراطيَّة من أنفسنا، من بيوتنا وشوارعنا، ولننشر بيننا حبَّ الآخر، وإلا سنبقى واقفين على قدم واحدة في رحلة التقدم المنطلقة كالبرق، هذا إن وُجد محلُّ لتلك القدم.

رائد عبد اللطيف

19/ 3/2007

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[14 - 11 - 2008, 05:02 م]ـ

قلم ناقد لأوضاعنا أخي الحبيب رائد عبد اللطيف، عسى الله أن يلهمنا أن نتعلم كيف نغير أنفسنا قبل أن يفوتنا قطار العمر، بوركت وبورك حرفك الناطق بالخير.

ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[27 - 11 - 2008, 11:07 م]ـ

قلم ناقد لأوضاعنا أخي الحبيب رائد عبد اللطيف، عسى الله أن يلهمنا أن نتعلم كيف نغير أنفسنا قبل أن يفوتنا قطار العمر، بوركت وبورك حرفك الناطق بالخير.

أشكر لك حسن الإطلاع

ـ[محمد سعد]ــــــــ[27 - 11 - 2008, 11:48 م]ـ

استمتعت قبل أن أتألم من الوضع القائم

أسلوب رائق وبسيط يوصلك المطلوب بعفوية الكلمة

شكرا لك

ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 11 - 2008, 02:25 ص]ـ

لا عجب إن قلنا: لا تنقصنا المنظومة الأخلاقية، وإنما الخلل هو خلل الذات

صدقت أستاذنا

فأمتنا تملك أرقى منظومة أخلاقية

وكيف لا وهي أمة تقرأ القرآن ونبيها بعث ليتمم مكارم الأخلاق

العيب فينا بلا شك

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير