ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[08 Jan 2009, 04:40 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد
قد نقل شيخنا العلامة غانم قدوري الحمد في كتابه الدراسات الصوتية نصّين عن الإمام المرعشيّ رحمه الله من الصفحة 208 إلى الصفحة 212.
النصّ الأوّل قول المرعشيّ رحمه الله تعالى: " فما اشتهر في زماننا هذا من قراءة الضاد المعجمة مثل الطاء المهملة فهو عجب لا يُعرف له سبب .... ومنهم من يخرج الضاد المعجمة طاءً مهملة كالمصريين .... أقول: قراءة الضاد المعجمة مثل الطاء المهملة فيها مفاسد ..... " (الدراسات الصوتية ص209).
والنصّ الثاني قوله رحمه الله تعالى: "إنّ الطاء والتاء من مخرج واحد، ومتحدتان في الصفات إلاّ الإطباق والاستعلاء والجهر، فإنّها صفات الطاء وأضدادها وهي الانفتاح والاستفالة والهمس صفات التاء. ومتى أعدمت تلك الصفات للطاء يصير تاء. وإذا لم تُعدم إطباق الطاء واستعلاءها لكن أعدمت جهرها فأعطيت لها همساً كما يفعله بعض المبتدئين في مثل {الصراط المستقيم، صراط الذين}، فلا يكون المغيّر إليه حرفاً من الحروف التسعة والعشرين، لكن لك أن تسمّي المغيّر إليه طاء مهموسة، أو ساء مطبقة، أو تاء مفخّمة " الدراسات الصوتية ص211.
أقول: كلام المرعشيّ المنقول لا يدلّ على أنّ الطاء الصحيحة هي الضاد الحديثة ولا يدلّ أنّ الطاء المنطوق بها في زمانه مهموسة لعدّة أسباب:
أوّلاً: صرّح المرعشيّ أنّ الضاد تُنطق في زمانه مثل الطاء وأيضاُ أنّها أي الضاد تخرج طاءً مهملة إشارة إلى إخراجها من طرف اللسان كالطاء وتعطيل صفة الرخاوة مما جعلها تخرج شبيهة بالطاء أو كالطاء كما نسمعه الآن أحياناً من البعض. إذن فاعتراض المرعشيّ كان على النطق بحرف الضاد وليس على حرف الطاء حيث شبّه الضاد بالطاء وخطّأ ذلك.
ثانيا: أشار المرعشيّ إلى أنّ بعض المبتدئين يهمسون الطاء. دلّ كلامه أنّ الأغلب لا يهمسونها لا سيما المهرة من القراء، وبالتالي فإنّ الطاء المنطوق بها زمانه صحيحة في نظره.
ثالثاً: ليس هناك في كلام المرعشيّ تصريح بأنّ الطاء الصحيحة هي الضاد الحديثة، وحتّى شيخنا العلامة غانم قدوري الحمد حفظه الله تعالى لم ينسب هذا القول إلى المرعشيّ فيما يظهر بل نفى ذلك بقوله حفظه الله تعالى: "ولم يكن من اليسير لدى العلماء المتأخرين التصريح بأنّ الطاء صوت مهموس، وبين أيديهم عشرات النصوص التي تؤكّد أنّ الطاء صوت مجهور، ولم تكن وسائلهم تتجاوز الملاحظة الذاتية التي يتردد صاحبها في التصريح بنقض إجماع أجيال من العلماء على أساس ملاحظته الذاتية." (الدراسات الصوتية ص210).
من خلال ما سبق يظهر أنّ القول بأنّ الطاء في زماننا وفي زمان المرعشيّ مهموسة وأنّ الطاء الصحيحة هي الضاد الحديثة ليس من كلام المرعشيّ بل هو من استنتاجات علماء الأصوات و شيخنا العلامة غانم.
وبالمناسبة أودّ أن أتعرّض لمسألة ذكرها شيخنا العلامة غانم قدوري الحمد في مسألة همس الطاء فقال حفظه الله تعالى: " ويُفهم من قول طاش كبري زاده (ت968): (إنّ مخرج الطاء والتاء لما اتحدا وانحصر الفرق بينهما في صفة الاستعلاء والإطباق الحاصلتين في الصاء .. ) إنّ الطاء كانت في زمانه صوتاً مهموساً، لأنّه لم يشر إلى أنّ الجهر أحد الفروق بين الطاء والتاء " (الدراسات الصوتية ص210).
أقول في كلام شيخنا العلامة نظر لعدة أسباب:
أوّلاً: لم يصرّح طاش كبري زادة بما نُسب إليه بل هو استنتاج لا يمكن القطع به.
ثانياً: قد صرّح المرعشيّ بما يخالف كلام طاش كبري زادة بقوله "فأعطيت لها – أي الطاء- همساً كما يفعله بعض المبتدئين " فقول المرعشيّ بعض المبتدئين يخالف ما فُهم من كلام طاش كبري زادة. والمرعشيّ متأخر على طاش كبري زادة.
ثالثاً: يستبعد أن يكون طاش كبري زادة اعتمد على النطق المسموع في ذلك الزمان دون الأخذ بعين الاعتبار النصوص وصفات الحروف لكي يخطر بباله ما يُنسب إليه.
رابعاً: لو كان مراده كذلك لصرّح أو لاعترض على الأقل على ما كان مسموعاً في زمانه على ضوء ما هو موجود في المصادر والكتب.
وهذا دليل آخر يدّل أنّ ما نُسب إلى المرعشيّ لم يقل به علماء التجويد المتأخرين بل هو استنتاج من علماء الأصوات وشيخنا المحقق.
أقول في الختام:
إن كان المرعشيّ لم يصرّح بذلك، ولم ينسب إليه شيخنا العلامة غانم قدوري الحمد هذا القول، فما بال أقوام ينسبون ذلك للإمام المرعشيّ رحمه الله تعالى ويريدون عن طريق ذلك إسقاط منزلته العلمية والتقليل من الاعتبار بأقواله. بل أكاد أقطع أنّ ذلك كان بسبب قضية الضاد حتّى لا يُعتبر بقول المرعشيّ في ذلك.
ولستُ أقصدك أخي عبد الرازق.
أسأل الله تعالى أن يرينا الحقّ حقاً ويرزقنا اتّباعه وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.