تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من أخبار القراء]

ـ[أبو إسحاق الحضرمي]ــــــــ[21 Mar 2009, 09:49 م]ـ

أحببتُ أن أتحف إخواني ببعض أخبار القرَّاء من كتاب غاية النهاية لابن الجزري ومن غيره من كتب التراجم مع التعليق قدر الإمكان إن تيسَّر.

الخبر الأول: الرجوع عن الخطأ بعد بيانه ووضوحه:

الخطأ واردٌ على الإنسان، وإن بلغ ما بلغ من العلم، ولكنَّ العيب أن يستمر على خطئه ويأنف عن الرجوع عن خطئه، فقد يقع المقرئ أو مدرِّس الحلقة القرآنية في خطأٍ، كأن يُخطئ في نطق بعض الكلمات القرآنيَّة، وذلك إمَّا لأنّه غير مؤهَّل لتدريس القرآن الكريم، أو أنه مؤهَّل لكنه قد يَذْهَلُ عنها، ويغيب عنه الصواب لأمرٍ عارضٍ، فيقع في الخطأ، فينبهَهُ بعضُ طلابه على خطئه، أو يخطئ في تفسير آية أو غير ذلك، فينبغي بل يجب عليه أن يرجع عن خطئه، ولا يأخذه الكبر عن قبول الحق، وما أحسن ما قاله بدر الدين ابن جماعة: (وكان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم) (1).

وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب ? قال: سأل رجل علياً ? عن مسألة فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا قال علي ?: أحسنتَ وأخطأتُ وفوق كل ذي علم عليم) (2).

وهذا الإمام الكسائي أحد القرَّاء السبعة، يقول عنه تلميذه خلف: فقرأ يوماً في سورة الكهف (أَنَا أَكْثَر مِنْكَ) فنصب أكثر، قال خلف: فعلمتُ أنه قد وقع فيه، فلمَّا فرغ أقبل الناس يسألونه عن العلِّة في أكثر، لِمَ نصبه؟ فثرتُ في وجوههم أنه أراد في فتحه أقلَّ، (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً) فقال الكسائي: (أكثرُ) فمحوه من كتبهم، ثمَّ قال لي يا خلف: يكون أحدٌ من بعدي يسلم من اللحن) قال: قلتُ: (لا، أما إذا لم يسلم أنتَ فليس يسلمُ منه أحد بعدك، قرأتَ القرآن صغيراً، وأقرأتَ الناس كبيراً، وطلبتَ الآثار فيه والنحو) (3).

ومن ذلك ما جاء عن الشيخ أبي محمد بن عبد المعطي بن إسماعيل بن عتيق الناصري المقيم بمدينة قابس قال: بلغني عن حرز الله الخراط، وكان ساكناً بنشتوى مدينة من مدائن اليمن، وكان رجلاً حاذقاً بالنحو واللغة والقراءات السبع، فقرأ عليه القارئ يوماً في سورة الأنبياء ? وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهَ وَمَسَاكِنكُم ? فقال له المقرئ: ارفع ? مَسَاكِنكُم ? وتوهم أنها فاعلة، فقال: المعنى: فارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنُكم ترجع معكم. قال الشيخ أبو محمد بن عبد المعطي: فلمَّا بلغني ذلك شقَّ عليَّ إذ كان مثل هذا الرجل على علمه وصلاحه وَهِمَ في هذا الحرف وهو خطأ عظيم - وكان صديقاً له وبينهما مكاتبة - فعملتُ رسالةً وبينتُ له فيها وجه الصواب، ومعاني الإعراب، وإن كان جائزاً ما قاله من غير القرآن وتصاريف الكلام وكون القراءة سنة ومحجة متبعة، وكتب إليه جماعة من أهل العلم في ذلك من سفاقس، ومن المهدية، ومن مدائن إفريقية، إذ أهل العلم بالمغرب متيقظون لحفظ الشريعة، وتصحيح القوانين، فمن سُمِعَتْ منه كلمة خارجة عن قانون كتب إليه، أو قيل له، فإن قال: وهمتُ أو نسيتُ قبل ذلك منه، وإن ناظر عليها اجتمعت جماعة الفقهاء وحرر معه الكلام ولا يترك ورأيه، فلمَّا وصل إلى المقرئ حرز الله ما كُتِبَ إليه به قال: ما انتفعتُ إلا برسالة الشيخ أبي محمد عبد المعطي الناصري ورجع عن مقالته واهتدى إلى الصواب (4).

ـ[أبو إسحاق الحضرمي]ــــــــ[21 Mar 2009, 10:25 م]ـ

الخبر الثاني: عدم كراهة قراءة طلبته على غيره من أهل القرآن لينتفع

إنَّ المقرئ أو المدرس الحق الذي يفرح وينشرح صدره عندما يرى تلاميذه يتقدَّمون في مستواهم العلمي، سواء درسوا عليه، أو ذهبوا إلى غيره لأجل الاستفادة أكثر فأكثر، إلا أنَّ بعض المقرئين أو مدرسي الحلقات القرآنية مَن إذا رأى أحد طلبته يقرأ أو يحفظ على مدرسٍ آخر يغضب من هذا الفعل، لأنه يريد أن يتخرج فلانٌ على يديه فقط، وقد رأيتُ عند بعض القُرَّاء الذين تصدروا للإقراء مَن يغضب إذا رأى تلميذه يقرأ على آخر، بل قد يقطع الطالب من القراءة عليه و الاستمرار معه، بحجة أنه هو أفضل من فلان – والله المستعان - فهذه عادة سيِّئَة وخلاف لما عليه عادة السلف في إقراء القرآن الكريم، ويخشى على هذا من قِلَّة الإخلاص، وحرمان بركة العلم.

فهذا أبو عبد الرحمن السلمي قرأ على عثمان بن عفَّان ? عامة القرآن، وكان يسأله عن القرآن، فيقول عثمان له: إنك تشغلني عن أمر الناس، فعليك بزيد بن ثابت، فإنه يجلس ويتفرغ لهم، ولستُ أُخالفه في شيء من القرآن) (1)، يوصيه ? بالذهاب إلى مَن سينفعه في القراءة، بل ويزكي المُوصَى إليه.

وهذا الإمام أبو بكر بن مجاهد – مُسَبِّع السَّبعة - يقول عنه الحافظ أبو عمرو: قرأتُ فيما أملاه علي بن داود: لمَّا قَدِمَ ابنُ الأخرم بغداد، وحضر مجلس ابن مجاهد، قال ابن مجاهد لأصحابه: هذا صاحب الأخفش الدِّمَشقي فاقرؤوا عليه .... ) (2)، وقال تلميذه عبد الله بن الحسين: كُنَّا نقرأُ على أبي العباس الأشناني خِفْيَةً عن ابن مجاهد، فكنَّا نباكر إليه فنجلس عند المسجد ننتظر مجيء الشيخ، فربما خَطَرَ علينا ابنُ مجاهد، فيقول لنا: أحسنتم الزموا الشيخ) (3).

فانظر – رعاك الله – إلى هؤلاء الأئمة كيف كانوا حريصين على أن ينتفعَ تلاميذهم من غيرهم، بل وحثِّهم على ذلك، وإرشادهم إلى مَن يرون فيه الأهليَّة في هذا الشَّأن.

ورَحِمَ الله تعالى الإمامَ النووي إذ يقول موصِياً مدرس الحلقة القرآنيَّة قائلاً: وليحذر من كراهته قراءةَ أصحابه على غيره ممن يُنتفع به، وهذه مصيبة يُبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين، وهي دلالة بيِّنة من صاحبها على سوء نِيَّته، وفساد طويَّته، بل هي حجةٌ قاطعةٌ على عدم إرادته بتعليمه وجهَ الله تعالى الكريم، فإنه لو أراد اللهَ بتعليمه لما كَرِهَ ذلك، بل قال لنفسه: أنا أردتُّ الطاعة بتعليمه، وقد قصد بقراءته على غيري زيادةَ علمٍ، فلا عتب عليه) (4).

وجاء في الأثر عن علي بن أبي طالب ?: (وسيكون أقوامٌ يحملون العلم، لا يجاوز تراقيَهم، يُخالف عملُهم علمَهم، وتُخالف سريرتُهم علانيَتهم، يجلسون حلقاً يباهي بعضُهم بعضاً حتى إنَّ الرجلَ ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه) (5).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير