تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هل القراءات متواترة فعلاً؟

ـ[عبد الله المدني]ــــــــ[14 Feb 2009, 11:09 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أولا أرجو من الأحبة أن يتكرموا علينا بسعة الصدر، وجمال الحلم، والقصد إلى إفادتنا ما جهلنا بارك الله لهم في علمهم .. والقضية كما يلي:

لدي إشكال أود عرضه على أهل القرآن، وعلماء القراءات منهم خاصة، وهو: أنني طالما سمعت من بعض علماء القراءات القرآنية عندنا بالمغرب، وفي بعض أقطار المشرق، كما قرأت في بعض كتبهم أن القراءات القرآنية متواترة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

فسؤالي: هل هي متواترة بإطلاق أم أنها متواترة فقط إلى صاحب "طريقها" باصطلاحهم، أو إلى "راويها" باصطلاحهم دائما أو إلى "قارئها" الأعلى؟ كنافع، وعاصم، وأبي عمرو، وابن كثير وغيرهم؟ ثم هل التواتر ثابت فيما بين القارئ والنبي عليه الصلاة والسلام أم لا؟ وإذا كان التواتر ثابتا في كل ذلك؛ فلماذا تنسب القراءة إلى واحد فقط؟ فيقال قراءة فلان، ورواية فلان من طريق فلان؟ فهل هذا تواتر أم آحاد؟

أليس نص القرآن هو وحده المتواتر فقط دون تفاصيل القراءات؟

ثم هل يمكن تصور التواتر في المدود والإمالات والتفخيم والترقيق والإشمام؟

هل ثمة حديث صحيح - ولا أقول متواتر - يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ أعني أنه رقق هذا الحرف أو أمال تلك الصيغة؟

ثم لماذا نجد في كتب القراءات عبارات مثل قولهم مثلاً: (واختار فلان النصب، واختار الآخرون الرفع)؟ فهل القراءة مجرد اختيار واجتهاد؟ ولماذا نجد الإمام الطبري رحمه الله - وهو من هو في التفسير والقراءات - يُخَطِّئُ أحيانا من القراءات ما يزعم آخرون أنه من المتواتر؟ ويقول: (والصواب من ذلك عندي كذا وكذا، دونكذا وكذا) وكل ذلك من القراءات المسماة متواترة؟ وهذا كما يعلم الإخوة في تفسيره كثير جداً!

فمن ذلك مثلا قوله رحمه الله: (قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية، وأصحُّ القراءتين في التلاوة عندي: التأويلُ الأول، وهي قراءةُ من قرأ "مَلِكِ" بمعنى "المُلك".) ثم قال بعده بقليل: (إن أولى القراءتين بالصواب، وأحق التأويلين بالكتاب، قراءة من قرأه: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، بمعنى إخلاص الْمُلْكِ له يوم الدين، دون قراءة من قرأ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الذي بمعنى أنه يَمْلِكُ الْحُكْمَ بينهم وفصلَ القضاء، مُتَفَرِّدًا به دون سائر خلقه.) فكيف يكون ذلك إذا كانت القراءتان متواترتين عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهذا كما تعلمون في تفسيره كثيرا جداً. بل عنده نصوص يخطئ فيها بعض القراءات التي تصنف ضمن المتواتر صراحة! كما هو ظاهر من كلامه الآنف الذكر، وكذا في قوله في تفسير سورة البقرة: (وأولى التأويلات بقوله:" ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ"، قول من قال: معناه: ادخلوا في الإسلام كافة. وأمَّا الذي هو أولى القراءتين بالصواب في قراءة ذلك، فقراءة من قرأ بكسر "السين"؛ لأن ذلك إذا قرئ كذلك - وإن كان قد يحتمل معنى الصلح - فإن معنى الإسلام ودوام الأمر الصالح عند العرب، أغلبُ عليه من الصلح والمسالمة ( ... ) وقد كان أبو عمرو بن العلاء يقرأ سائرَ ما في القرآن من ذكر"السلم" بالفتح سوى هذه التي في سورة البقرة، فإنه كان يخصُّها بكسر سينها توجيهًا منه لمعناها إلى الإسلام دون ما سواها.) وقال في قوله تعالى: (أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 259) (وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ: "اِعْلَمْ" بوصل "الألف" وجزم "الميم"؛ على وجه الأمر من الله - تعالى ذكره - للذي قد أحياه بعد مماته ( ... ) وإنما اخترنا قراءة ذلك كذلك وحكمنا له بالصواب دون غيره؛ لأن ما قبله من الكلام أمرٌ من الله تعالى ذكره!)

وهذه نصوص منه رحمه الله – ومثلها كثير عنده - على أن القراء إنما كانوا يجتهدون في اختيار المناسب للرسم العثماني من الصيغ العربية.

فهل معنى هذا أن القرأة كانوا يجتهدون في قراءة الرسم العثماني الذي لم يكن منقوطا ولا مشكولاً، فيقرأ كل بما أداه إليه اجتهاده الموافق للعربية ولو من وجه، كما يعبرون، والموافق للرسم ولو احتمالا بتعبيرهم دائما؟ وهذا ما يجعلنا نتساءل عن اتصال السند بالقراءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: هل هو تفصيلي أم كلي؟ بمعنى: هل ذلك حاصل بدقائقها الإعرابية والصوتية؟ أم أنه حاصل بمجرد نص القرآن على الإجمال؟ فإن كان كليا فلا إشكال. وإن كان تفصيليا فما توجيه الإشكالات السابقة؟ وما وجه التصويب والتخطيء عند الطبري؟

ثم هذه الأسانيد المذكورة إنما ظاهرها أنها من الآحاد الصحيح، فبأي وجه عدوها من المتواتر؟

إخوتي الأحبة إن قصدي من هذه الأسئلة الحصول على جواب يطمئن له القلب: (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ بلَى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي!) خاصة ونحن في المغرب نواجه فتنة بعض العلمانيين الذين يشككون في ثبوت صحة نقل بعض سور القرآن جملةً وتفصيلاً! أو يشككون في بعض آياتها زيادة ونقصا! كما تذهب إليه الروافض، بل أكثر من ذلك بكثير! أما بالنسبة للقراءات فإنما أطلب إثبات ما أثبته العلم، فما كان منها بالتواتر فهو بالتواتر. وما كان منها بالآحاد الصحيح فهو كذلك. وأما القراءة الشاذة فهي خارج الإشكال أصلا. والقطع الحاسم في كل ذلك هو الدليل!

أفيدونا رحمكم الله! وأكرمونا بسعة صدركم وسع الله لكم!

أخوكم عبد الله المدني المغربي عفا الله عنه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير