[هل يجب علينا أن نتبع رسم المصحف؟]
ـ[أبو عمر الشامي]ــــــــ[09 Feb 2009, 11:22 م]ـ
ابن حزم في الإحكام 4/ 556: «فمن أين وجب أن يراعى خط المصحف؟ وليس هو من تعليم رسول الله، لأنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، واتباع عمل من دون توقيف منه - عليه السلام - لا حجة فيه ولا يجب قوله"
واعترض على اتباع رسم المصحف بوجود قراءات مخالفة له مثل قراءة أبي عمرو {هذين لساحران} خلافاً للجمهور {هذان لساحران}
لماذا نقبل من أبي عمرو مخالفة رسم المصحف؟
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[10 Feb 2009, 12:28 ص]ـ
الأخ الكريم (أبو عمرو الشامي)،
الخلاف في الرسم العثماني معروف والجمهور على أنه توقيفي. أما اختلاف القراءات فهو بتوقيف وتعليم ولا خلاف في ذلك. وإليك هذا النقل من كتاب دراسات في الفكر الإسلامي للشيخ بسام جرار، وتجد الكتاب في صفحة مركز نون الالكترونية:
رسم المصحف (الرسم العثماني):
الرسم العثماني: الطريقة التي كُتبت فيها حروف وكلمات القرآن الكريم على عهد الرسول، عليه السلام، والتزمها أبو بكر ثمّ عثمان في كتابة المصاحف.
قال ابن المبارك في كتابه الإبريز:" ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن العزيز ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الأحرف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول ... ".
وهذا هو قول جمهور العلماء الذين يرون وجوب التزام رسم المصاحف العثمانيّة، لأنّ رسمها كان بين يدي الرسول، عليه السلام، وبإقراره. في المقابل هناك من العلماء، ومنهم ابن خلدون والباقلاني، يرون أنّ رسم المصحف اصطلاحي واجتهادي وليس توقيفيّاً؛ فالكتبة، حسب رأي هؤلاء، كانوا يكتبون وفق اصطلاح العرب في ذلك الزمان.
الذي يبدو لنا هنا أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يُملي والكتبة يكتبون وفق الاصطلاح في وقتهم، ثم لا يلبث، عليه السلام، أن يطلب منهم الخروج على الطريقة الاصطلاحيّة، وذلك وفق أوامر الوحي. وعليه يكون رسم المصحف كله بتوقيف الرسول، عليه السلام، لأنّه عندما يتركهم يكتبون وفق الاصطلاح يكون ذلك منه، عليه السلام، إقراراً لطريقة الكتابة، والإقرار كما هو معلوم من السنّة. وعندما لا يريد، عليه السلام، وبتوجيهٍ من الوحي، أن يقر يأمر بتغيير الاصطلاح. والذي دفعنا إلى هذا القول حقيقة أنّ رسم المصحف يتفق في الأغلب مع الرسم الإصطلاحي، ثم هو أيضاً يختلف عنه في الكثير من المواضع، ولا يعقل أن تكون المخالفة تصرفاً لا مسوغ له يُجمع عليه الصحابة، رضوان الله عليهم.
المتأمل لأدلة الفريقين يلاحظ أنّ القائلين بأنّ رسم المصحف هو اصطلاحي لا يملكون دليلاً فوق قولهم بأنّ الرسم العثماني اصطلاحي، لأنّه لم يَثبت أنّه توقيفي. فهم يستصحبون حال العرب في الكتابة حتى يثبت العكس. وفي الحقيقة أنّ الجمهور يملكون الأدلة على قولهم بأنّ رسم المصحف العثماني كان بتوقيفٍ من الرسول، عليه السلام. ونحن هنا سنكتفي ببعض الأدلة التي تؤيد مذهب الجمهور:
لو كان رسم المصاحف العثمانية اصطلاحياً لاقتضى الآتي:
أ. تطابق رسم المصاحف في الكلمات نفسها؛ ورسم المصاحف يشير إلى غير ذلك؛ فرسم كلمة (إبراهيم)، في المصحف الذي هو على قراءة ورش هكذا: (إبرهيم). أما في المصحف على قراءة حفص فرسمت كما في مصحف ورش إلا في سورة البقرة، حيث تكرر الاسم 15 مرة، فقد رسمت جميعها هكذا: (إبرهم). وتُرسم كلمة (هامان) في المصحف على قراءة ورش هكذا: (هامن)، وكذلك (قارون). أما في المصحف على قراءة حفص فترسمان هكذا: (همن، قرون).
ب. تطابق رسم الكلمات نفسها في المصحف الواحد؛ ورسم المصاحف يشير إلى غير ذلك، وإليك هذه الأمثلة من المصحف الذي هو على قراءة حفص:
1. كلمة (سبحان) تُكتب دائماً هكذا: (سبحن)، إلا في الآية 93 من سورة الإسراء، فتكتب هكذا: (سبحان).
2. كلمة قرآن تُكتب دائماً هكذا: (قرءان)، إلا في موضعين:
في الآية 2 من سورة يوسف:" إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون".
في الآية 3 من سورة الزخرف:" إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون".
حيث كتبت في الموضعين هكذا: (قرءناً) بحذف الألف. واللافت أنّ الكلمتين وردتا في مستهل السورتين، وعند الحديث عن عربيّة القرآن الكريم!!
ج. تطابق رسم كلمات المصحف مع الاصطلاح، ورسم المصحف يشير إلى غير ذلك، وإليك هذه أمثلة:
1 - جاء في الآية 21 من سورة النمل:" لأعذّبنّهُ عذاباً شديداً أو لأذبحنّه…". كلمة لأذبحنّه ترسم في المصحف هكذا: (لأاذبحنه)، فلماذا الألف الزائدة هذه، ولماذا لم تُكتب كلمة (لأعذبنه) مثلها، أو العكس؟!
2 - جاء في الآية 47 من سورة التوبة:" لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم…"، فكلمة (ولأوضعوا) كتبت أيضاً هكذا: (ولأاوضعوا).
3 - كلمة (الأيكة) وردت في القرآن الكريم 4 مرات، كتبت مرتان بالطريقة الاصطلاحيّة، ومرتان هكذا: (ليكة) والهمزة بين اللام والياء. والأمثلة على ذلك كثيرة.
هذه إذن بعض الأمثلة التي تبين أنّ رسم المصحف يخالف الطريقة الإصطلاحية. ومعلوم أنّ الصحابة، رضوان الله عليهم، كانوا أحرص الناس على الاتباع والأبعد عن الابتداع. والفعل منهم يغني عن القول. ومن هنا لم يرد القول صراحة بتوقيف الرسم.
¥